من الطبيعي ان يفرح المخرج ألفارو بريخنر ليلة ختام مهرجان القاهرة السينمائي بسبب حصول فيلمه "ليلة الاثني عشر عامًا" علي الهرم الذهبي كأفضل فيلم في المسابقة الدولية. ولكن ما حدث أن هذا المخرج الشاب عاش فرحة طاغية في اليوم السابق لحفل الختام. وهو يوم عرض الفيلم لجهور المهرجان في المسرح الكبير بالأوبرا وكنت محظوظا بمشاهدة الفيلم ورؤية الاستقبال الجماهيري المدهش والتصفيق الحاد المدوي. وأعتقد ان فرحة الجمهور بالفيلم هي الجائزة الحقيقية التي حصل عليها المخرج قبل الهرم الذهبي في الختام. الفيلم من انتاج الارجواي والارجنتين واسبانيا وأحداثه تدور في الأورجواي بين عامي 1973 و1985 ومخرج الفيلم لم يعش زمن الأحداث لأنه من مواليد 1976. وقد كان ذلك في صالح الفيلم لأن المخرج انصرف إلي التعبير السينمائي عن الأحداث دون اللجوء إلي لقطات وثائقية واتخاذ مواقف تحتاجها مثل هذه النوعية من الأفلام السياسية. ولكن المخرج ألفارو بريخنر وهو نفسه كاتب السيناريو ذكر في عجالة ملخصا لقصة أبطال الفيلم الرهائن الثلاثة وهم أعضاء في منظمة توبامادو اليسارية كان من الممكن قتلهم بكل سهولة. ولكن السلطات العسكرية أبقتهم علي قيد الحياة حتي توقف المنظمة اليسارية عمليات المقاومة. وظل الثلاثة رهن السجن الانفرادي 12 عامًا. حتي نجحت المفاوضات وتم الافراج عنهم في النهاية. 12 عامًا بدأت بليلة القبض عليهم.. يلقون أسوأ معاملة ويتم التنقل بهم من سجن إلي آخر خوفًا من هجوم المنظمة اليسارية لتحريرهم. والرهائن الثلاثة علي قدر كبير من الأهمية بدليل انهم بعد الافراج عنهم عملوا في السياسة ووصل أحدهم وهو جوزيف موخيكا إلي منصب رئيس جمهورية الأرجواي في الفترة من 2009 وحتي 2015 وقام بدوره الممثل المعروف في السينما الاسبانية أنطونيو دي لا توري. والثاني إليتيريو فرنانديز وصل إلي منصب وزير الدفاع وقام بدوره الممثل الفونسو تورت. أما الثالث فهو الكاتب والشاعر ماريو روسينكوف وقام بدوره الممثل الأرجنتيني شينو دارين. معني ذلك ان فيلم "ليلة الاثني عشر عاما" ينتمي للسينما السياسية في أمريكا اللاتينية ويعتمد علي وقائع حقيقية شهدتها الأرجواي في السبعينيات. ولكي يكتب المخرج السيناريو التقي بالرهائن الثلاثة بعد سنوات طويلة من الافراج عنهم. وقدم مجموعة من المشاهد المحكمة البناء. وقد حكي أحدهم أنه كان يسير كثيرا داخل الزنزانة الواسعة فقام السجان برسم خط أبيض علي أرضية الزنزانة وطلب منه الا يتخطاه!! ومن المشاهد المؤثرة مشهد الأم التي جاءت لزيارة ابنها ووقفت تحت المطر بالساعات واخيرا قالوا لها بأن ابنها غير موجود. كذلك من المشاهد شديدة الأهمية عندما نجحت الأم في زيارة ابنها ووجدته محطمًا يائساً نصحته بعدم الاستسلام وطرقت علي المنضدة بضرورة ان يقاوم عوامل هدمه وتحطيمه. ولم ينس المخرج الموقف الطريف عندما كتب الشاعر السجين خطابات غرامية لحبيبة السجان وقد تزوجها بفضل هذه الخطابات. وهنا يكون السجين مصدرا لإدخال السعادة علي حياة السجان رغم انه خلف القضبان. لكن الإنسان الحقيقي هو القادر علي إسعاد الآخرين تحت أسوأ الظروف. ورغم كل شئ فإن السجناء الثلاثة أبطال فيلم الهرم الذهبي. الذين ظلوا بالحبس 12 عامًا هم: أحسن حظًا من نيلسون مانديلا الزعيم الافريقي الذي ظل بالسجن 27 عامًا بسبب مطالبته بالمساواة بين البيض والسود في جنوب أفريقيا. وعند خروجه من السجن قال مانديلا أنه خرج وترك وراءه كراهية الذين سجنوه ليفتح صفحة جديدة لنفسه ولتاريخ بلاده. كذلك فعل أبطال فيلم "ليلة الاثني عشر عاما".. كذلك هم أسعد حظًا بكثير من رئيس شيلي سلفادور الليندي الذي وقع ضده انقلاب في نفس العام 1973 وقام بينوشيه بقصف قصر الرئاسة بالطائرات وهدمه علي رأس الليندي وأعضاء حكومته. نعود ونؤكد ان المخرج ألفارو بريخنر لم ينجرف وراء الحدث السياسي والوقائع الحقيقية التي يعتمد عليها فيلمه. ولكنه قام بتوظيف كافة العناصر الفنية لصناعة فيلم قادر علي جذب المشاهد طوال 122 دقيقة. وكانت البداية من إحكام السيناريو ثم براعة الأداء التمثيلي وبساطة وقوة التصوير والموسيقي والمونتاج والماكياج والملابس وكلها عناصر ساهمت في ابداع فيلم يتميز بالجودة الفنية والفكرية. بالاضافة إلي القيم الإنسانية التي أوصلها للمشاهد.