بلا شك أن القوة الأوروبية مجتمعة تفوق تلك الأمريكية بمراحل.. وأن التكنولوجيا الأوروبية تماثل إن لم تتفوق علي مثيلتها الأمريكية.. وأن القدرات والإمكانات العلمية والبشرية تتفوق. أو علي الأقل تماثل مثيلتها الأمريكية. فلماذا تبقي أوروبا إذن خاضعة للهيمنة الأمريكية؟!.. أعتقد أن هذا ربما ما دار في خلد الرئيس الفرنسي ماكرون. وهو يدعو إلي تكوين جيش أوروبي موحد.. وربما كان هو.. بل بكل تأكيد ما يدور في خلد معظم قادة أوروبا.. فدعوة ماكرون سبق أن تناولها الكثيرون بشكل أو بآخر.. ولكنها لم تكن بصراحة ومباشرة ماكرون.. بل وكذلك فيما أعلنه جان كلود يونكر. رئيس المفوضية الأوروبية.. في نفس اليوم.. ولِمَ نتحدث عن هذين الاثنين فقط.. وقائدة أكبر دولة أوروبية.. ألمانيا.. المستشارة ميركل.. لم تُخف يوماً حماسها لإنشاء جيش أوروبي موحد.. بل سبقت في هذا ماكرون.. ويونكر.. وليس هذا كله إلا تعبيراً عن الرفض للهيمنة الأمريكية التي يتململ منها الشارع الأوروبي كله.. والتي زاد ترامب إشعال نيرانها بسياسة العقوبات تارة.. ثم بمطالبته أوروبا بدفع ثمن حمايتها تارة أخري.. والتي امتدت إلي الآن منذ انتهت الحرب العالمية الثانية.. والتي لم تعد أوروبا تري مصلحة لها فيها بعد أن استعدي ترامب أهم القوي المحيطة بأوروبا.. وهو بعيد هناك علي الضفة الثانية من المحيط.. فانسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران.. وانفراده بالقرار.. ومطالبته أوروبا بأن تتبعه.. وتشارك في مقاطعة إيران ضد مصالحها.. وضد شركاتها. أجج الغضب الأوروبي علي القرار المنفرد الذي يريد ترامب أن يسوق إليه أوروبا.. بل وتهديده بمعاقبة شركاتها التي لا تمتثل إلي المقاطعة.. وهو ما دفع أوروبا إلي السير في عكس الاتجاه. وعدم الانصياع إلي قرار ترامب بالعقوبات الأمريكية علي الشركات التي لا تلتزم بالمقاطعة.. سبق هذا أو زامنه قرار ترامب الموجه إلي روسيا. والمؤثر علي أوروبا.. بانسحابه من اتفاقية الحد من الأسلحة النووية مع روسيا.. وهو إجراء يوفر المزيد من فرض صدام لا مصلحة لأوروبا فيه.. كما أنه يعني تخلي أمريكا عن التزاماتها تجاه أوروبا.. ويمضي في اتجاه إشعال المزيد من الأزمات التي لا تري أوروبا مصلحة لها فيها.. أو علي الأقل لا ضرورة لها.. أو في أقل القليل غير مناسبة.. كأزمة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. وهذا كله زاد في مساحة الضيق الذي تشعر به أوروبا تجاه التصرفات الأمريكية التي لا تراعي المصالح الأوروبية.. وتضع أوروبا تحت مظلة هيمنة أمريكا لا تتوافق ومصالحها.. وقد يؤدي بأن تكون أوروبا مسرحاً لأي صراع قد ينشب بين روسياوأمريكا.. في مواجهة ما بدا كأنه عودة لسباق التسلح بين البلدين بعد القرارات الأمريكية المتتالية ضد روسيا.. واعتزام مد قوات حلف الناتو شرقاً باتجاه روسيا.. وبالتالي تطوير روسيا لأنظمة صاروخية غير قابلة للاعتراض. الآن وفي هذا الوقت ترتفع الدعوة الأوروبية إلي الجيش الموحد.. خاصة بعد خروج اللولو البريطاني من الاتحاد الأوروبي. وهو الذي كان يرفض أي توجه بإنشاء جيش أوروبي مستقل عن أمريكا.. وقد وصف ترامب هذه الدعوة بأنها "أمر مهين".. وعاد إلي مطالبة أوروبا بأن تدفع ثمن حمايتها قائلاً: "علي أوروبا أولاً أن تدفع مساهمتها في حلف شمال الأطلنطي الذي تموله أمريكا بشكل كبير".. وقد جاءت كلمات ترامب هذه في أعقاب لقائه مع ماكرون.. ولم ينس رجل الأعمال الأمريكي في هذه الزيارة أن يتفق علي رفع الحصة الأوروبية.. حيث أعلن الرئيسان اتفاقهما علي "ضرورة زيادة مساهمة أوروبا المالية في الإنفاق الدفاعي لحلف شمال الأطلنطي "الناتو"".. وستظهر الأيام القادمة ماذا ستئول إليه الدعوة إلي إنشاء جيش أوروبي موحد.. هل ستتحرك في اتجاه التنفيذ.. أم تصبح إنذاراً أوروبياً.. لأن أوروبا أيضاً لها مصالح قد تتعارض.. بل هي كذلك.. مع الحليف الأمريكي!!