عندما فاجأ دونالد ترامب أمريكا والعالم بانتخابه رئيسا للولايات المتحدة, ورغم الدهشة التي كان العالم يتابع بها خطابه خلال الحملة الانتخابية, وما افصح عنه من عدم خبرة بالعالم وعلاقاته المعقدة, وانتقد حتي حلفاء أمريكا التقليدين في الاتحاد الاوروبي, وحلفاء الأطلنطي, فضلا عما أعرب عنه من نزعات عنصرية تجاه الأقليات والمهاجرين, الذين شكلوا تاريخيا البوتقة, التي تطورت وازدهرت بها امريكا, رغم هذا كله كان العديد من المراقبين وأنا منهم يتمنون, من اجل رئاسة رشيدة لأمريكا أقوي قوة, حتي الآن أن أفكار وتوجهات ترامب خلال حملته الانتخابية, سوف تنضج حين يبدأ في مواجهة الواقع والمشكلات التي ليست بالبساطة التي يتصورها, وفي هذا كانوا ينتظرون خطاب تنصيبه, ويترقبون ما إذا كان هذا الخطاب سوف يفصح عن اتفاق او اختلاف مع ما عبر عنه خلال الحملة الانتخابية, وأثار قلق قطاعات واسعة جدا من الشعب الامريكي والعالم بمن فيهم حلفاء امريكا, غير أني كواحد من ملايين الذين تابعوا الخطاب فوجئوا بأن خطاب ترامب الذي تولي السلطة رسميا, هو نفسه خطابه منذ ان بدأ حملته الانتخابية, فقد بدأ بالجهوم علي واشنطن العاصمة, أي المؤسسة التي اتهمها بأنها تعمل لمصالحها وليس مصالح الشعب الامريكي, وامام خمسة من رؤساء امريكا السابقين الذين جاءوا لكي يشاركوا في حفل تنصيبه, جعلهم مسئولين عما سماه بالمذبحة في المدن الداخلية الأمريكية, وبأنهم سمحوا بهجرة الصناعات الأمريكية وتجريد العمال الامريكيين وظائفهم,بل وذهب إلي أن هذا خيانة لأمريكا..معلنا إنه سوف ينهي هذا كله وفقا لشعاره أمريكا أولا,ولذلك ليس غريبا ان يعلق باحثون ومحللون امريكيون علي خطابه بأنه عمق الانقسامات داخل أمريكا. اما علي المستوي العالمي, فقد كرر انتقاداته للسياسات الأمريكية التي دافعت وحمت بلدانا اخري,بل كانت السبب في رفاهيتها وغناها,وبينما قصرت في حماية الشعب الامريكي وحماية حدوده, كما ساهمت في دعم جيوش دول اخري, بينما اضعفت الجيش الامريكي, وقد فندت تعليقات امريكية هذا التصور وذكرته بأن الولاياتالمتحدة تقود العالم في الإنفاق العسكري وتخصص لذلك أكثر من7 دول, بما فيها الصين وروسيا, وان الانفاق العسكري الامريكي اليوم أعلي بكثير مما كان عليه قبل11 سبتمبر.2001 وردا علي ما أثاره ترامب من تزايد الجريمة, فانه رغم ان الإحصاءات تتذبذب إلا أن الجريمة تبقي اقل بكثير مما كانت عليه منذ حقبتين مضت. أما علي مستوي علاقات امريكا بحلفائها التاريخيين دول الاتحاد الأوروبي, وحلف الأطلنطي, قبل ايام من تنصيبه في مقابلات مع كبريات الصحف الأوروبية التايمز البريطانية, وبيلد الألمانية انتقد ترامب الاتحاد الأوروبي وتنبأ بأن دولا أوروبية أخري سوف تحذو حذو بريطانيا في الانفصال عن الاتحاد, أما حلف الأطلنطي, فقد وصفه بانه عفا عليه الزمن الأمر الذي دفع زعماء أوروبيين إلي الرد عليه بأنهم لا ينتظرون نصائح من احد والواقع ان توجهات ترامب تجاه هذه المؤسسات الأوروبية والأطلنطية هي انفصال عن تقاليد التزمت بها كل الإدارات الأمريكية منذ نهاية الحرب الثانية, بل إن أمريكا هي التي صنعت حلف الأطلنطي, كما عملت علي إحيائه بل وتوسيعه بعد نهاية الحرب الباردة. ويبقي وعد ترامب انه سوف يمحو الإرهاب من العالم وهو طبعا ما يرحب به المجتمع الدولي الذي يعاني من لعنة الإرهاب, ولكن سيظل ينتظر, تفاصيله أو إستراتيجيته في القضاء علي الإرهاب, وكيف تتفق او تختلف مع اسلوب وادوات سلفه, وأهم من ذلك ما الذي يتوقعه من حلفائه, خاصة مصر, في هذا الشأن الذي جعله من البداية هدفه الاساسي التعامل مع قضايا وأزمات العالم العربي,