حج مبرور وذنب مغفور لجميع ضيوف الرحمن إن شاء الله.. بدأ الحجاج رحلة العودة إلي أهليهم وأوطانهم بعد أداء مناسك الحج والعمرة.. الكثيرون يعودون بعد هذه الرحلة الإيمانية المباركة إلي حياتهم الطبيعية وما فيها من سلوكيات مقبولة ومرفوضة. ويمارسون ما ألفوه من معاملات وأخلاقيات وعلاقات بالآخرين. وليبدأوا حياة جديدة يحافظون من خلالها علي مكاسب هذه الرحلة الشاقة وسط حياة مليئة بالتجاوزات والسلوكيات المرفوضة. هؤلاء للأسف لا يحافظون علي مكاسب رحلة الحج والعمرة وما اكتسبوه منها من آداب وأخلاقيات راقية في تعاملاتهم مع الآخرين. ولذلك سرعان ما يعود الحاج إلي حياة المعاصي والذنوب والانفعالات التي كان عليها قبل الحج. والواقع أن المسلم لم يذهب إلي هذه الرحلة الشاقة بدنيا والمكلفة مادياً لكي يحصل علي لقب "حاج". بل وذهب في رحلة إيمانية شاقة لكي يتخلص من ذنوبه وآثامه ويبدأ حياة جديدة وكله أمل ورجاء أن يكون حجة مبروراً وذنبه مغفوراً ويكون ممن يشملهم وعد رسول الله صلي الله عليه وسلم من حج فلم يرفت ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه. *** بالتأكيد.. العطاء الروحي والأخلاقي لهذه الرحلة المباركة كثير ومتنوع وهو يؤكد أن حياة الطاعة والاستقامة أسهل وأجمل وأروع من حياة العبث والمعاصي.. وبالتالي يجب أن تكون هذه الرحلة نقطة تحول حقيقية في حياة الإنسان. فيعود منها بمكاسب لا حصر لها. فهي تنير له طريق الحق والفضيلة. فلا يكذب ولا يسرق ولا يظلم ولا يغتاب ولا يأكل أموال الناس بالباطل.. فهو يتخلي عن كل ما ألفه من طباع سيئة قبل سفره للحج. ويلتزم بالآداب والأخلاق الإسلامية بعد أن تاب توبة صادقة من كل ذنوبه ومعاصيه.. لذلك يجب علي كل حاج عائد من رحلته الإيمانية أن يدرك أنه ذهب وتحمل المشاق البدنية والأعباء المادية لكي يتخلص من حياة المعصية ويلحق بركب الطائعين المخلصين. وهذا المكسب الكبير والحصاد العظيم ينبغي أن يحافظ عليه الحاج بعد عودته وإلا فإنه في حالة انفلاته وممارسته ما ألفه من ظلم للناس وإهدار لحقوقهم وانتهاك لحرماتهم. وما تعود عليه من غيبة ونميمة وغير ذلك من سلوكيات مرفوضة شرعاً يكون قد فرط في أهم مكاسب رحلته الشاقة التي تكبد فيها المشاق وأنفق عليها الكثير من المال خاصة في هذا الوقت الذي أصبح الحج فيه مكلفاً ومرهقاً بدنياً ومادياً. *** بعض القادرين يستخدمون الحج كوسيلة للوجاهة الاجتماعية. وهؤلاء بالتأكيد مخطئون. فالحج عبادة ينبغي أن تكون مقرونة بحسن النية ونُبل المقصد. وقد أكد العلماء أنه من العبث أن يذهب الإنسان ويؤدي عبادة لكي يحصل علي لقب حاج أول كي يتظاهر أمام الناس بأنه إنسان تقي وحريص علي تعاليم دينه. فالحج عبادة مفروضة علي المسلم مرة واحدة في العمر. ومن يحرص علي أدائها بعد ذلك ينبغي أن يكون هدفه الطاعة وغفران الذنوب وليس التظاهر بالقدرة المادية أو التظاهر بالتقوي. فالله سبحانه وتعالي لا يقبل من العبادات والطاعات إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم. لذلك لا ينبغي أن يتعامل المسلم مع الحج علي أنها مجرد طقوس شكلية خالية من الروح. فالطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة ورمي الجمرات.. كل هذه المناسبك تهدف إلي معان ينبغي أن يدركها الحاج وأن يكون لها عطاء ديني وأخلاقي في حياته حتي يلقي الله عز وجل. ينبغي علي كل حاج أن يعيش المعاني الحقيقية للحج بعد العودة. فعطاء الرحلة المباركة ينبغي أن يظل مع المسلم طوال حياته. فهذه الرحلة قد لا تتكرر وينبغي أن يكون الحاج حريصاً علي مكاسبها وعطائها وأن يعتبرها فرصة للاستزادة من العبادات والطاعات والحسنات والإكثار من فعل الخير والتقرب إلي الخالق بكل ما يرضيه وتجنب كل ما يغضبه ويجلب عقابه. *** ينبغي علي الحاج العائد من الأراضي المقدسة. والذي أخلص النية. وذهب بنفقة حلال. وتحمل مشاق السفر. وأدي المناسك برغبة وعزيمة صادقة أن يتمسك بما حصده من أجر وثواب. فلا يستسلم للشيطان. ولا يعود إلي المعاصي التي عاشها وألفها قبل سفره للحج. كل حاج عائد من هذه الرحلة المباركة مطالب بالحرص علي أداء الفرائض والعبادات والتمسك بالفضائل الإسلامية التي ألزمه بها خالقه. وهذا يعني ألا يرتكن المسلم إلي الحج. ويعتقد أنه قد تخلص من ذنوبه وآثامه. فعبادات الإسلام تتنوع وتتكامل وتحقق أهدافاً متنوعة تصب في النهاية في مصلحة الإنسان وانضباط سلوكه ليرضي خالقه ويحقق أهدافه وطموحاته في الحياة. المكاسب الكثيرة والمتنوعة للحج تفرض علي كل عاقل أن يحافظ عليها. ولا يفرط في شيء منها. فمكاسب الحج كثيرة وكلها مهمة للإنسان الذي يتطلع إلي التخلص من ذنوبه وآثامه. علي كل مسلم أدي الفريضة أن يكون مدركاً لكل ما يفعل بعد العودة حتي لا يقع في محظور أو يرتكب سلوكاً مخالفاً يفسد حجه. وعلي الحاج أن يقرأ ويسأل ويثقف نفسه بعد العودة. وأن يكون قوياً في مواجهة شياطين الجن والإنس الذين يغوون خلق الله ويحرِّضونهم علي المعاصي. وعليه أن يتذكر قول الرسول صلي الله عليه وسلم : "ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كُتبت له حسنة".