لست خبيراً اقتصادياً. ولا أزعم.. ولكني مثل كل الناس في مصر. نتعامل مع الأسواق.. ونراقب حركة أسعار السلع والخدمات التي هي في ارتفاع مستمر بسبب عملية الإصلاح الاقتصادي التي ارتضينا بها حفاظاً علي استقرارنا ومستقبل أجيالنا القادمة. ولاسيما مع إجراءات الحماية الاجتماعية وتوجهات الدولة في تحقيق العدل الاجتماعي والاهتمام بملفات أساسية مثل الصحة والتعليم. أو مساعدة محدودي الدخل. والمهمشين بتحسين أوضاعهم المعيشية في السكن أو توفير السلع الأساسية من خلال الدعم وإعادة هيكلته وزيادة المنافذ الحكومية. ومعاونة القوات المسلحة والشرطة بتوفير الكثير من السلع بأسعار مناسبة تحد من جشع تجار القطاع الخاص. الذين يبالغون في تقدير أرباحهم ولا يستطيع كائن من كان أن يجعلهم يراعون ظروف المواطنين في مصر مع أعباء عملية الإصلاح الاقتصادي التي يجب أن يتشارك فيها كل الأطراف بأمانة ووطنية من القادرين أو غير القادرين. كل وطاقته سواء في العطاء أو الاحتمال لتمضي بنا سفينة الوطن إلي بر الأمان. من هذا المنطلق الذي يعتمد علي الشفافية والمصارحة. فإني أندهش من تلك الأرقام التي اعتاد أن يعلنها البنك المركزي المصري من وقت لآخر عن معدلات التضخم وانخفاض مستوياتها في الشهور الأخيرة علي النحو التالي: مارس وأبريل 2018 وصلت إلي 13.1% وفي مايو 11.6% ثم في يونيه 10.9% وكانت المفاجأة في شهر يوليو الذي انخفض فيه معدل التضخم إلي 8.54%. أما سبب الدهشة من هذه الأرقام فليس متابعتنا بأعيننا وتأثر دخولنا بالارتفاعات المتوالية في الأسعار خلال هذا العام الأخير.. ولكن في هذا التناقض بين أرقام البنك المركزي والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. الذي اعتاد أن يقدم إحصائيات شهرية عن معدلات التضخم صعوداً وهبوطاً شهرياً من خلال مراقبته الحثيثة للأسواق. الذي أعلن في نهاية الأسبوع الماضي أن معدل التضخم السنوي تراجع خلال يوليو من هذا العام ل13% ليس 8% كما أعلن البنك المركزي.. بينما ارتفع علي المستوي الشهري بنسبة 2.5% خلال شهر يوليو الماضي الذي شهد ارتفاعاً في أسعار السكن والمياه والكهرباء والغاز ومواد الوقود الأخري بنسبة 5.2% ومجموعة الخضراوات بنسبة 8.8% والفاكهة 3.5% والمطاعم والفنادق بنسبة 4.8%. وهذا ما يعني في رأي الخبراء والاقتصاديين حدوث موجة تضخمية تصاحبها سلسلة من الارتفاعات السعرية تقلص من القوة الشرائية للمواطنين وتآكل دخولهم الحقيقية. * * * والحقيقة أن ما يجعلنا نتحفظ علي تلك الأرقام الأخيرة للبنك المركزي بشأن معدلات التضخم أنه يتخذ بناء عليها قرارات اقتصادية اجتماعية خطيرة يتأثر بها في المقام الأول صغار المدخرين الذين يتعاملون مع البنوك من خلال الودائع النقدية لتحسين دخولهم وتحسباً لتقلبات الزمن.. وهذه الفئة تمثل زخماً مالياً هائلاً لأرصدة البنوك وهم من يتعارف عليهم بالادخار العائلي. وهذه الفئة من أبناء الطبقة الوسطي هي التي اعتمدت عليها الدولة من خلال مدخراتهم في تنفيذ مشروعها القومي لقناة السويس الجديدة ومعهم المصريون في الخارج الذين ساهموا عند رفع سعر الفائدة عند تعويم الجنيه المصري بالحد من ظاهرة الدولرة عندما اتجهوا لتحويل عملاتهم الحرة إلي الجنيه المصري عندما اتخذ البنك المركزي نفسه قرارا اقتصادياً اجتماعياً صائباً في إطار إجراءات الحماية الاجتماعية برفع نسبة الفائدة 7% لتصل الأرباح علي بعض شهادات الاستثمار إلي نسبة 20% وهو ما كان له عظيم الأثر علي كبح جماح التضخم ودعم العملة المحلية والحد من ظاهرة الدولرة وكذلك الحد من ظاهرة شركات توظيف الأموال التي تعد المودعين إليها بصرف أرباح تصل إلي 40%. إلا أنه مع بداية العام الحالي بدأ البنك يخذل هؤلاء المدخرين الصغار.. وصاروا يضعون أيديهم علي قلوبهم مع كل اجتماع للجنة السياسية النقدية بالبنك المركزي التي تجتمع كل ستة أسابيع لمراجعة أسعار الفائدة.. وبعدما قامت مرتين هذا العام بخفض سعر الفائدة علي الإيداع والإقراض لتصل لنحو 15%.. مع تكهنات وتصريحات خبراء بالرجوع إلي المعدل السابق قبل التعويم الذي يصل بسعر الفائدة إلي ما كانت عليه قبل قرار تعويم الجنيه المصري وخفض قيمته. وذلك بحجة تشجيع الاستثمار وتوفير فرص عمل جديدة.. مع قيام بعض البنوك بتخفيض أكثر في سعر الفائدة في الأوعية الادخارية عن السعر الذي يحدده البنك المركزي. وهنا يثور سؤال لدي هؤلاء البسطاء من المدخرين الذين لا يعرفون كثيراً في لغة المال والأعمال: هل البنوك عندما تخفض سعر الإقراض لمثل هؤلاء التجار والمستثمرين يعود ذلك علي الأسواق؟!.. وهل التاجر أو المستثمر الذي يخفض له البنك نسبة الإقراض ليصل مثلاً إلي 14 أو 15% يخفض أسعار سلعه أو خدماته؟!.. أم أنه اعتاد أن يحقق هامش ربح قد يصل في بعض الأحيان إلي 60% وأحياناً يبلغ الجشع لدي بعض التجار والمقترضين من البنوك إلي الوصول بأرباحهم إلي نسبة مائة في المائة؟!.. واسألوا عن إضرارهم بالمجتمع من خلال كثرة الغارمين والغارمات.. وهذا الارتفاع غير المبرر للأسعار؟!! بالتأكيد.. إن دور البنك المركزي في عملية الإصلاح الاقتصادي مقدر ومشكور.. ولكن الطبقة الوسطي وأرباب المدخرات البسيطة الذين أودعوها في أيد أمينة تنشد أرباحاً عادلة تتناسب مع غول الغلاء الذي يتجمل بمسمي التضخم ولوغاريتمات الأرقام التي لا تعكس الواقع كثيراً!