بزيارته الأخيرة إلي النمسا للاحتفال بمرور 50 عاماً علي بدء تصدير الغاز الروسي ل فيينا. نصب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه كصديق يعول عليه وشريك تجاري لأوروبا. ليسحب البساط من تحت أقدام واشنطن ويقدم درساً في الدبلوماسية التي يفتقد إليها نظيره الأمريكي دونالد ترامب الذي أغضب حلفاء واشنطن الأوربيين سواء بتصريحاته المتهورة أو قراراته المستفزة بدءاً من انسحابه من اتقافية باريس للمناخ واتفاق إيران النووي وأخيراً التعريفات الجمركية التي سيجري تطبيقها علي واردات الصلب الأوربي. حدد الرجل هدفه بلا مواربة في تصريح له قبل الزيارة التي جرت الأسبوع الماضي بأنه لا يسعي إلي تقسيم أوربا ولكن بلاده علي العكس مهتمة كثيراً بوحدة الاتحاد الأوروبي وازدهاره باعتباره أكبر شريك تجاري واقتصادي لها. وكان بوتين حتي وقت قريب شخص غير مرغوب فيه تقريبا في أوروبا بسبب تدخلاته العسكرية في أوكرانيا. القرم وسوريا فضلاً عن اتهامات بالتدخل في الانتخابات الأوروبية. والمزاعم المتصلة بتسميم جاسوس روسي سابق وابنته في بريطانيا. يمكن القول أن زيارة بوتين لروسيا نجحت في تحقيق عدة أهداف. يأتي في مقدمتها الالتفاف علي العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوربي علي موسكو وحتي بدون تسوية قضية أوكرانيا. وذلك بفضل دبلوماسية موسكو التي نجحت في تعزيز علاقاتها مع الأحزاب السياسية الحاكمة في العواصم الأوربية. لا سيما في ظل حاجة أوروبا لإمدادات الغاز الذي توقعت تقارير لوكالة الطاقة الدولية زيادة الطلب عليه من جانب أوروبا بما يزيد علي 20% بحلول عام 2030. بحسب تقرير لموقع" أويل برايس" فقد جددت شركة "غازبروم" الروسية - التي توفر بالفعل حوالي ثلث الغاز في أوروبا- عقد توريد الغاز إلي النمسا حتي العام 2040 كما نجحت شركة الغاز الروسية العملاقة في تسوية نزاع لمكافحة الاحتكار استمر لسبع سنوات مع الاتحاد الأوروبي بدون أي غرامات. بعدما وافقت علي تغيير نهجها بالسوق وضمان أسعار تنافسية للغاز وسط وشرق أوربا. وفي الوقت نفسه. تمكنت "غازبروم" من تصدير كميات قياسية من الغاز الطبيعي إلي الدول الأوروبية. فخلال الفترة من يناير إلي مايو زادت صادرات "غازبروم" بنسبه 5.8 في المائة مقارنة بالمبيعات القياسية السابقة للفترة نفسها من العام الماضي. بالتزامن يجري المضي قدما في تنفيذ مشروع خط أنابيب السيل الشمالي- 2 الذي تقوده "غازبروم" لتوصيل الغاز من حقول سيبريا مباشرة إلي شمال أوربا بتكلفة تربو علي 10 مليارات يورو وقدرة تصل إلي 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا. وتعارض الولاياتالمتحدة خط الأنابيب الجديد بحجة أنه يهدد استقلال أوروبا في مجال الطاقة. كما سيقلص دور أوكرانيا التي ستفقد نحو 2 مليار دولار سنويا. هي تكاليف نقل الغاز الروسي عبر أراضيها. ومؤخراً نوه مسئول أمريكي إلي أن خط الأنابيب الجديد سيسمح لروسيا بتركيب أجهزة للتجسس في بحر البلطيق حيث سيمر السيل الشمالي الثاني. وهي حجة واهية بالكلية لأن الخط الجديد سيتم تشغيله بموازاة الخط الروسي الأول "السيل الشمالي 1" الذي يستخدم لنقل الغاز الروسي لأوروبا عبر أوكرانيا. ولم تستخدمه روسيا مطلقاً للتجسس. لكن المنطق الأكثر قبولاً بحسب الرئيس الروسي. فإن معارضة واشنطن للسيل الشمالي الثاني تنبع من رغبة الرئيس دونالد ترامب في تعزيز صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكي. والذي استحوذ علي 5% من واردات أوروبا من الغاز في العام الماضي. ولكن تكاليف النقل تجعل الغاز الطبيعي الأمريكي أكثر تكلفة من إمدادات الطاقة القادمة من دول الشرق الأوسط. كما أنها تزيد بنسبة 20% علي الأقل علي إمدادات الغاز الروسي. الحقيقة أنه إذا كانت الولاياتالمتحدة تهتم حقاً لأمر أوكرانيا وأمن الطاقة الأوروبي. فانها يجب أن تدعم جهود التوصل إلي اتفاق بين روسياوأوكرانيا. ولا سيما وأن الدول الأوروبية بدون شك أكثر اهتماماً بضمان استقرار أوكرانيا من الولاياتالمتحدة بحكم القرب الجغرافي. لكن يبدو أن إدارة ترامب سعيدة بإثارة المزيد من التوترات مع شركائها الأوربيين في حلف الناتو لتبقي أمريكا هي أولاً. ولتبقي مصالحها أولوية قصوي يجب أن يلتزم بها الجميع. ومن بعدها الطوفان.