من سمات المسلم الحلم والآناة وامساك لسانه عن القذف. ولكن في هذه الأيام انتشر الصخب وعلو الصوت والهزار بالسب والشتم بألفاظ مقززة نهي الشارع الحكيم عنها. الدكتور محمد فوزي عبدالحي استاذ الدراسات الإسلامية باللغة الانجليزية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر يقول: إن من الظواهر المؤلمة التي انتشرت في المجتمع في هذه الآونة علو الصوت والصخب وعدم اللياقة في المعاملات. فتري من يقود السيارة يسرف في استعمال الأبواق. ويؤرق السائرين ويوقظ النائمين ولا يراعي في ذلك حرمات البيوت وحقوق المارة والجوار. وقد حذر القرآن الكريم من علو الأصوات والاسراف في ذلك كما يفهم من قوله تعالي "إن أنكر الأصوات لصوت الحمير لو كانوا يعلمون". وأضاف د. فوزي أن من الأمور التي عمت بها البلوي ما يتبادله أهل الحرف والمهن من المزاح بالسباب والقذف ولعن الآباء والأمهات. وهذه كلها أفعال محرمة وقبيحة وخاصة في شهر رمضان وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة تحرم السباب والشتم قال: رسول الله صلي الله عليه وسلم: أتدرون من المفلس من أمتي؟ قالوا من لا درهم له ولا دينار فقال صلي الله عليه وسلم إنما المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وسفك دم هذا.. فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته حتي إذا فنيت حسناته اخذ من سيئاته فطرحت عليه ثم طرح في النار.. وقال: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شتم أبا بكر الصديق والنبي جالس فتعجب النبي وابتسم وأبو بكر ساكت فلما أكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبي صلي الله عليه وسلم وقام. فلحقه الصديق فقال: يا رسول الله: كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت قال: "إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله. وقع الشيطان. فلم أكن لأقعد مع الشيطان" فالمؤمن لا يسب غيره. ولايرد سباب غيره حتي لا يكون مثل البادئ بالسباب في الذم.. فعن عياض بن حمار. قال: قلت: يا رسول الله الرجل من قومي يشتمني وهو دوني؟ فقال صلي الله عليه وسلم المتسابان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان. وعن جابر بن سليم قال: قلت اعهد إليَّ يارسول الله أوصني قال: لا تسبَّن أحداً قال: فما سببت بعده حراً ولا عبداً ولا بعيراً وشاة.. وهذه هي أخلاق النبوة ألا تسب شيئاً حتي الحيوان الأعجمي. وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم: ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذئ. ودعا د. فوزي أن نتخذ من رمضان الدرس والعبرة لأن رمضان شهر المغفرة والتوبة والمرحمة وشهر ترفع فيه الدرجات إلي الله وتحط السيئات وشهر العتق من النار. ولا ينال الصائم هذه الدرجات إلا بالامتثال لأوامر الله تعالي واجتناب نواهيه ومنها ترك السب والقذف واللعن والفسق وتعلم الأخلاق الحميدة والخلال الطيبة بإمساك اللسان من القال والقيل. الدكتور جمال الدين حسين الأستاذ بكلية أصول الدين جامعة الأزهر بالقاهرة يقول: إن من الأمور التي يحرص الإنسان دائماً علي الالتزام بها أن يحفظ لسانه عن سب الآخرين أو ايذائهم بالألفاظ التي يجب أن يتنزه عنها المسلم. ومما يدل علي ذلك قول الرسول صلي الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". فهنا نجد أن الحديث يبين لنا أن السمة الرئيسية التي يجب أن تتوافر في المسلمين هي أن يسلم الناس جميعاً من أذي اللسان وأذي اليد. وهنا توجد حكمة عظيمة في هذا الحديث. حيث إن هذا الحديث قدم اللسان ونهي عن الايذاء به علي الايذاء باليد والسبب في ذلك يرجع إلي أن السب باللسان واشمل من الايذاء باليد. فالإنسان يستطيع أن يؤذي بلسانه الحاضر والغائب. أما الإيذاء باليد فهو قاصر علي إيذاء الحاضرين فقط. ومن هنا فقد قدم الرسول صلي الله عليه وسلم الإيذاء باللسان لأن خطره أعم وأشمل. وأضاف د. جمال الدين أن من الواجب علينا أن ننبه إلي أن الذين يستخدمون السب واللعان وسيلة لهم ومنهجاً في الحياة ويزعمون أنهم من المسلمين فإن أمثال هؤلاء يسيئون إلي أنفسهم ويسيئون إلي دينهم ويسيئون إلي مجتمعاتهم فيجب علي هؤلاء جميعاً أن يمتنعوا عن السب واللعن وأن يتخذوا من هذا الشهر العظيم بداية للإقلاع عن هذه العادة السيئة وإن تعرض أحدهم إلي من يستفزهم بالشتم أو السب فلا يرد عليه بل يقول إني صائم وإنه إن فعل ذلك سوف يتحلي بالأخلاق الفاضلة فيرضي عنه الله ويحبه الناس لأنه يتعامل معهم بالأخلاق الحسنة. وقال د. جمال أن المؤمن ليس بلعان لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم "ليس المؤمن بطعاني ولا لعاني ولافاحش ولا بذئ" وقال: "من لعن مؤمناً فهو كقتله ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله" كما نهي الحق جل وعلا عن الفسوق فقال: "ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" كما لا يجوز لمسلم أن يستحل سب أخيه المسلم أو شتمه أو عيبه وإن من أبشع أنواع السباب رمي المسلم بالكفر ولقد حذر الرسول الأعظم صلي الله عليه وسلم: "من تكفير المسلمين لأن مًنْ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" وعلي المؤمن أن يبتعد عن هذه الألفاظ البذيئة في جد ولا هزل ولا رضا وغضب لأن من سب مسلماً فقد فسق تصديقاً لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".