أبرقت وأرعدت وأمطرت. فغرقنا وتوقف الحال. وأغلقت الطرق.. أمطار وسيول ربيعية مباغتة ضربت القاهرة والمحافظات. فوصلت المياه إلي الحلوق. وطاولت المباني. وغمرت السيارات. ورجمت الطرق بالحجارة. في كل الدنيا الأمطار خير. يصلون من أجل هطولها. ينتظرونها لهفة للزراعة وتخزين المياه. لكنها تحولت عندنا إلي شر وبلاء ندعو السماء لعدم تكراره رحمة بنا وشوارعنا وممتلكاتنا.. إذا السماء أمطرت تنتاب البشر السعادة. البعض يرقص. ويغني ويشرب ويأكل امتناناً بهذه النعمة. لكنها تصيبنا بالتعاسة والكرب. والبعض نام في داخل سياراته علي الطرق السريعة حتي الصباح. وتقطعت بهم السبل. والمسئولون أغلقوا هواتفهم. ولم يجد العالقون عوناً لهم سوي من السوشيال ميديا. وأولاد البلد الجدعان. "أمطار الربيع" علمتنا أنا لا نصدق سعاد حسني وهي تغني الدنيا ربيع. وأن لا ننتظر معونة المسئولين بالأجهزة المحلية والمدن الجديدة ولا الأحياء. فهم غارقون معنا.. وعلمتنا أن الفساد يتجاوز المعقول.. وكلنا سيدفع الثمن.. وعلمتنا أن مدن وكمباوندات وتجمعات الأثرياء والأغنياء لا عاصم لها من تحالف الفساد والجهل الذي نخر من قبل أحياء الطبقة المتوسطة. ووضع الفقراء في العشوائيات. فقد كان المتضرر الأكبر من نكسة أمطار الربيع القاهرة الجديدة بتجمعاتها المتعددة من الأول للخامس وبمدنها وطرقها.. حتي العين السخنة لم تسلم من النكبة. حتي هطلت هذه الأمطار كان الجميع يحسد سكان القاهرة الجديدة. التي بنيت بقرار جمهوري في عام 2000 ولا تزال التوسعات بها جارية. لكن مشاهد غرق شوارعها وفيلاتها وقصورها واستغاثات سكانها علي السوشيال ميديا حولت الحسد إلي شفقة علي حالهم.. كل هذه المليارات أنفقت هباء دون شبكات صرف جيدة لمياه الأمطار؟! هذا هو البؤس بعينه.. كل هذا البنيان أقيم دون كهرباء جيدة تصمد أمام الأمطار فيعم القاهرة الجديدة الظلام الدامس. وتغرق البيوت بكل ما تعني الكلمة؟! هذا هو الفساد بعينه. 18 عاماً فقط وغرقت القاهرة الجديدة والتجمع الخامس وتحطم طريق السخنة.. لكن حي مصر الجديدة الذي بني من أكثر من 112 عاماً صمد أمام تحدي الأمطار. وشوارعة تبرق لامعة.. حتي الأحياء الشعبية بولاق والبساتين وفيصل والهرم لم تقع في أزمة كبيرة.. ماذا يعني هذا؟ هل العجالة في بناء أحياء ومدن للأثرياء لتلبية أمزجتهم في العزلة وراء ما حدث؟ من الذي لم يؤد عمله؟ من تكسب من شبكات الصرف الضعيفة ومحطات توليد الكهرباء الهشة؟ هذا ليس وقت الهزل ولا القفش عن الهجرة غير الشرعية لأثرياء القاهرة الجديدة لأحياء أخري. ولا زمان الحقد الطبقي والضغينة. لكنه وقت التعلم والحساب.. من سيحاسب المقصرين؟ والأهم أن ينتبه وزير الإسكان وهو يخطط ويبني العاصمة الإدارية الجديدة ويضع في الحسبان شبكات صرف مياه الأمطار بمعايير عالمية مخافة ان يأتي وقت مثل هذا الوقت وتغرقنا الأمطار الربيعية.