عاد الربيع.. الأشجار العارية تزهر وتثمر وتنثر ورودها عطراً يغمر الحدائق والحقول.. والعصافير تهجر أعشاشها مبتهجة مغردة.. ونغمة موج البحر وترنيمة السواقي تتصاعد متراكضة من أعماق الوادي إلي قمة الجبل.. كل ما تشتاقه الطبيعة تبلغه فالزمان يعيد بهجة الربيع ويطوي ليل الشتاء الطويل لكنه أبداً لايدخل بيوتنا ولايوقظ مشاعرنا المعتقلة في سجن الماديات والغرائز وهذا الجفاف العاطفي الذي حولنا إلي اًلات جامدة ! تحولت البيوت إلي جزر منعزلة.. لا وقت للحب والكلمات الدافئة وتناول الطعام معا والأحلام التي تعبر رؤوسنا كالأطياف ثم تسكن واقعنا فتضيئه بالحنان وطفولة الأشياء.. بيوتنا غارقة في سكون الملل وضباب الصمت.. كل شيء حولنا بارد أصم.. اللوحات والمقاعد والجدران والوسائد وملاءة السرير وكل شيء.. نعيش غرباء تحت سقف واحد.. نعيش أسري الموبايل والنت ومواقع التواصل الاجتماعي والديلفري وسطوة المال والطموحات المادية والوجاهة الاجتماعية والصراع علي المناصب والسلطة متناسين أنه لايمكن أن تحكم الانسان غرائزه للخبز والمال والسلطة فالافراط في الطعام ينتهي بالتخمة والخمول والنوم والزواج بغير حب ومودة ورحمة ينتهي بالخيبة والمرارة والجلوس في كراسي السلطة ينتهي باليقظة الفاجعة وإذا بالنفوذ قد ذهب وزال ! الماديات والتكنولوجيا وفرت لنا الراحة لكنها سرقت إنسانيتنا وحولت قلوبنا إلي قطع من خشب وعيوننا إلي عدسات زجاجية فلم نعد نتذوق الجمال ونعرف الحب الذي قد يربطنا بزهرة أو عصفور أو قطة أو لوحة علي جدار أو مقطوعة موسيقية أو قصيدة شعر أو احتياج جارف لاحتواء الآخرين ومساعدتهم.. الحب الخالص الذي تفتقده الأسرة المصرية التي تحولت إلي مصنع لتفريخ أطفال غير أسوياءپ أطفالنا يستحقون منا نحن الكبار إعادة النظر في مفهومنا للحب والحياه والأسرة.. نهزم زيجات تحكمها المصالح والمطامع المادية ونبني بيوتاً بالحب والتسامح والعطاء والمودة.. بيوتاً لها قداسة المسجد والكنيسة شعارها البيت والزوج والأطفال فمايحدث في بيوتنا اليوم جريمة لايعاقب عليها القانون لأنها تفتقد الأدلة المادية.. لايوجد في القانون نصاً واحداً يجرم انتقام الاًباء والأمهات من أطفالهم بعد الطلاق فيهرع كلا الطرفين إلي خوض حرباً ضارية ضاربين عرض الحائط بمشاعر الصغار وما يصيبهم من هزائم وانكسارات عاطفية ونفسية تسكن قلوبهم طوال العمر.. لا يوجد في القانون نص واحد يجرم إهمال الصغار إذا تخلي الآباء عن الانفاق عليهم ورعايتهم وأمهات لايدخلن المطبخ لاعداد وجبات الطعام وتفرغن للشوبنج والكوافير والنوادي والسهراتپ لا يوجد نص واحد في القانون يعاقب علي الجرائم المعنوية والإنسانية التي ترتكب في حق أطفالنا الذين أصبحوا كالثكالي اللائي فقدن وحيدهن.. يندبن قلوبهن التي ولدت بالبراءة والحب والطهر والنقاء واعتلت ومرضت بقسوة الكبار.. يموتون كل يوم ألف مرة جوعاً وعطشاً للحب والحنان والرعاية والاحتواء وما يعيشونه من مآسي نفسية وعاطفية سرية وعلنية تنعكس علي مشاعرهم وسلوكهم وتجعلهم أشبه بزهرة الجنون التي تتفتح في ليلة ربيعية مقمرة تلتهم كل نحلة تجرؤ علي الاقتراب منها قبل رشف الرحيق!