أعشق الأشياء علي حالها.. وترهق العين الإضافات في معظم الأحيان.. ولأني أحب فانوس رمضان الذي كان يشتريه لي أبي ويضيء شمعته أظل أبحث عن نفس الشكل والصنعة بعيداً عن أشكال صيني تطلق أغاني لا رائحة لرمضان فيها.. ولا في شكلها.. أخبروني ان الأصلي موجود في "تحت الربع".. إنتابني حنين لرؤية مكان اسمه يقول انه شعبي مبهر فمشيت أمني النفس بحارة قديمة أرضها بلاط كبير.. صعد وهبط ولم يكسره زمن.. ووجوه أولاد بلد علي قهاوي بهم من الشهامة والنخوة أكثر مما يحمل شباب الكافيهات. يهبون وقوفاً ليسندوا متعثراً في مشيته.. ويحملون شنطة الخضار من امرأة مسنة ليصلوا بها إلي باب بيتها.. ويغضون البصر متي مرت بهم فاتنة الحي ولا يرضون بخدشها بكلمة من مار علي الطريق.. سأري الفتوة كما خطه نجيب محفوظ وهو يدافع عن الضعيف ولا يسكت لاعتداء.. كبرت الصورة في عيني وملأت الرأس. فتحت نافذة السيارة وسألت كيف أصل إلي تحت الربع فأجابتني امرأة متطوعة موجودة داخل جلباب: "تلاقيه عن أم ترتر" انشغلت للحظة بمظهر السيدة التي استدارت خصيصاً لتمنحني إجابة.. تتكلم بكل أجزاء جسمها وأشيائها البارزة منتهي الحماس الفطري.. لكنها صدمتني في أول حقيقة فهن في الأحياء الشعبية لا يشبهن بطلة المسلسل الشهير "سمارة" لكن اسم "أم ترتر" زادني لهفة للمكان.. فقد رصعوه بحبات الباييت والفصوص ملونة البريق. أو هكذا تخيلت. أم ترتر مشيت أسأل عن التخصص الأدق من تحت الربع.. وهو أم ترتر.. وكلما وجهت سؤالي عن مكانها رأيت ضحكات.. وأحياناً غمزات ولمزات.. وكل تعليق يضيف فضولاً.. ولهفة ومعه مزيد من شغف لرؤيتها مع تخيلات أخري لتطريز سخي عشوائي ربما كان بيد الطبيعة. حدث هذا منذ عدة أعوام.. ظللت في حالة لف ودوران وما من أحد يدلني علي غايتي حتي أرهقني التعب.. وعدت غير نادمة فقد كان يوماً عامراً بالأحلام في منطقة مليئة بأولاد البلد.. وأم ترتر. نسيت الواقعة بأكملها ووجدت في الحسين والعتبة وأماكن أخري الفانوس المطلوب وصرت أهديه لأولادي والأحفاد.. لكن بقيت الأسماء محفوظة في الذاكرة ولأن بعض المعارف لا تأتي من الكتب وإنما من الاتصال الشخصي.. كما علمونا في دراسة الإعلام انه من أهم سبل المعارف والإقناع فقد كنت مع بعض الصديقات حين ابتسمت إحداهن وقالت.. عند أم ترتر.. فأوقفتها لأسألها أين.. وعرفت انها مجرد طرفة.. تعليق يقال.. وشغلني البحث عن أصله. ست جيرانها أم ترتر لم تنجب "ترتر".. وإنما كان عندها إسماعيل ونبوية ترتر التي عرفت بالعايقة لأنها تلبس جلاليب وتربط رأسها بمناديل مليئة بالترتر وكان زوجها "عربجي حنطور" كانت أم ترتر تسكن في بيت من دور واحد عكس كل من حولها بأدوارهم المتعددة لكن لديها مكان للحنطور والحصان ودجاج كله من الإناث.. ولأن من الحب ما قتل ففي كل يوم يأتيها ديك من بيوت الجيران قاصداً فرختها.. أو ذكر بط من أجل بطتها وهي تذبح الديوك والبط ليأكل المعلم ولأنها معروفة بلسانها الطويل وينطبق عليها المثل "الوقحة ست جيرانها" كان من يضيع لها ديك تسأل من حولها فيردوا بصوت منخفض عند أم ترتر.. خوفاً منها ومنها خرج المثل الشعبي عن شيء راح منك ولن يعد إليك مع انك تعرف من الذي أخذه راقت لي الحكاية وفسرت معني كل ضحكة رأيتها كإجابة علي سؤالي عن مكان أم ترتر. وحشتني معاني كثيرة فجرتها الحدوتة أولها الكثير الذي ضاع منك واستحالة ان تسترده رغم أنك تعرف أين تركته أو تركك .. ومتي. وأهمها بالنسبة لي ان أجد أم ترتر.. وحشتني أشيائي التي.. عندها.