ال"ريمونتادا" لا يعرفها سوي عشاق كرة القدم. وخبراء الحروب.. كلمة إسبانية تعني "التعافي أو العودة" استخدمت في الحروب ووصف المعارك الأهلية وثورات الاستقلال بين القرنين ال16 و19 ميلادي. حينما كان إقليما الباسك وكاتالونيا يحاولان الانقسام عن الحكم الملكي الإسباني.. وفي تسعينات القرن الماضي عادت الكلمة لتستخدم في كرة القدم الأوروبية عموماً للتعبير عن تعويض فريق هزيمة ثقيلة بفوز ساحق.. وعاد للمرة الثالثة للصحافة الإسبانية بعد هزيمة نادي برشلونة من اي سي ميلان في ذهاب ثمن نهائي دوري الأبطال موسم 2012-2013 بنتيجة هدفين دون رد برشلوني. لكن برشلونة استطاع العودة وتحقيق الريمونتادا بالفوز برباعية نظيفة علي اسي ميلان بالاياب. إذن نحن في عصر ال"ريمونتادا" ما بين قسوة الحروب ومتعة كرة القدم.. نهرب من تصريحات وقذائف ترامب علي تويتر بضرب سوريا. نفر من الخوف من الحرب والدم بمشاهدة المباريات.. نقاوم تحرك البارجات الأمريكية بين البحار بصواريخها الذكية والجميلة والجديدة حسب وصف الكاوبوي في البيت الأبيض. باستعراضات أسياد وملوك كرة القدم في دوري أبطال أوروبا.. نستبدل مافيا الحروب بأباطرة ركل الكرة.. نتفرج علي رونالدو وميسي ومحمد صلاح وبوفون بدلاً من ترامب وبشار وبوتين وتيريزا ماي وأردوغان.. نمارس إنسانيتنا أمام الشاشات وفي المدرجات لنخطف لحظات الحب والكبرياء والشموخ والفوز أو نعاني من الهزيمة والكراهية والخيانة.. هذا حسن وأفضل من متابعة القتل والدم في الشرق الأوسط حيث القتل علي الاختلاف والهوية وعلي كراسي الحكم ومنابع النفط والقواعد العسكرية. في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا الثلاثاء والأربعاء الماضيين كانت نشوة كرة القدم تتحدي إعلانات ترامب عن دك سوريا علي رأس بشار ومن يقف معه.. ما بين محطات الأخبار وقنوات الرياضة لم ينم أحد.. ضبطت نفسي أتلصص علي آخر أخبار العالم علي سكاي نيوز والسي إن إن ما بين المباريات.. الإثارة في الملاعب كانت تصل إلي الذروة. محمد صلاح يطيح بمهارة فرعون مصري بمانشستر سيتي. ويضع نفسه في صدارة كبار الكرة في التاريخ.. وروما الخاسر علي ملعبه 4 مقابل واحد يصنع معجزة و"ريمونتادا" ضد برشلونة ويطيح بها خارج البطولة.. ويوفينتوس الذي فقد الأمل بعد هزيمة قاسية من ريال مدريد بثلاثة أهداف بلا مقابل يعود ليثأر بريمونتادا. ويهرب الريال مدريد من عار ريمونتادا اليوفي بضربة جزاء في الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع. صارت كرة القدم واحتنا التي نتعافي فيها من أكاذيب السياسة وحروب الموت. لحظات نعود فيها إلي إنسانيتنا بعيداً عن الدم والقتل.. عاشت كرة القدم التي لولاها لأقلعنا عن الكتابة.