بداية.. نوجه التحية لجهاز الرقابة الإدارية الذي أعاد لنا الأمل في مطاردة المرتشين والمزورين ومعدومي الضمير الذين ينتشرون في كل أجهزة الدولة ولا يزالون يمارسون أنشطتهم المحرمة شرعا والمجرمة قانونا ويأكلون الحرام كل يوم ويجمعون الأموال الطائلة من استغلال مناصبهم بوسائل متعددة ومتنوعة دون الخوف من عقاب أو فضيحة. بالتأكيد.. ضبط عددمن كبار المسئولين مؤخرا في قضايا رشوة وآخرهم محافظ المنوفية يؤكد أن الدولة تعتبر مواجهة الفساد "هدفا قوميا" وأن أجهزتها الرقابية تعلم أن هناك الآلاف من الموظفين الفاسدين الذين لا يزالون يستغلون مناصبهم في جني المال الحرام وفي إهدار المال العام وهؤلاء يمارسون الفساد بكل صوره وبحرفية شديدة ولابد من الإيقاع بهم ليكونوا عبرة لمن يعتبر. لكن الي جانب تكثيف نشاط الأجهزة الأمنية ضد مافيا الفساد يجب أن نعترف بكل صراحة أن الفساد المالي والإدراي ينتشر ويتوغل ويسيطر علي سلوك الموظف العام في ظل غياب القوانين واللوائح الضابطة للعمل والتي تعطي الموظف صلاحيات ليمارس ما يشاء ويصدر ما يريد من القرارات ويتحايل علي القانون كيفما يشاء.. وإلا لماذا يعطي القانون موظفا واحدا- أيا كانت درجة وظيفته- صلاحية تخصيص قطعة أرض كبيرة من أراضي الدولة لمواطن أو شركة كما فعل محافظ المنوفية المتهم بالرشوة؟! **** والواقع أن مواجهة الفساد في مصر لا ينبغي أن تقف عند معاقبة الموظف المرتشي وحده. بل لابد من مواجهة حاسمة للمواطنين الذين أدمنوا تحقيق أطماعهم بالرشوةپويسيل لعابهم دائما علي المال العام وأراضي الدولة. وهؤلاء للأسف ليسوا قلة شاذة كما يعتقد البعض. وهم يحققون ما يطمحون إليه دون أن تطالهم يد العدالة وعندما يتم الايقاع ببعضهم يحصلون علي "عفو قانوني" تحت مبرر الشهادة علي المرتشي لينال عقابه وينعمپالراشي بالأمان والاستقرار مع إن رسول الله صلي الله عليه وسلم ساوي في اللعنة وتعني"التأثيم" بين الراشي والمرتشي والوسيط بينهما!! يجب أن نعترف في شجاعة بأننا شعب يدمن كثير من أفراده مخالفة القانون أو الحصول علي امتيازات حقيقية أو وهمية عن طريق الرشوة وهناك كثير من المعاملات اليومية لا تحتاج الي تدخل من أي طرف ومن الطبيعي أن تقضي بشكل روتيني في الوقت المحدد لها.. لكننا نتطوع ونخرج بعض الأموال من جيوبنا لنضعها في يد أو جيب الموظف الذي تعود هو الآخر عليها واعتبرها حقا من حقوقه لدرجة أن أحد الأصدقاء فعل ذلك أمامي فرد عليه الموظف قائلا:"خلاص يا أستاذ خليها علينا المرة دي"!! وهؤلاء الذين تسيطر عليهم"ثقافة الرشوة" وأدمنوا تحقيق أهدافهم من خلالها ينبغي أن يعاقبوا ولا يعفيهم القانون من العقاب. ولولا وجود شخص معدوم الضمير يريد أن يأخذ حق غيره أو ينهب ما يريد من المال العام.. ما وجد المرتشي. ***** لا شك أن أجهزة مواجهة الفساد في الدولة عليها مسئولية كبيرة في ملاحقة كبار وصغار الفاسدين.. لكن لا ينبغي أن نحمل هذه الأجهزة وحدها المسئولية طالما بقي بيننا من يسعي لسرقة ونهب المال العام وعندما يتم الإيقاع به يخرج من القضية دون عقاب لأنه شهد علي المرتشي. فهؤلاء هم أساس جريمة الرشوة ولا يجوز بأي حال أن يظفروا بالبراءة ويخرجوا لنا ألسنتهم بعد الإيقاع بعنصر واحد من عناصر الجريمة. وهنا لا ينبغي تغليف الرشوة بمسميات خادعة للهروب من الإثم الشرعي أو الجرم القانوني فمصطلحي "الهدية أو الإكرامية"لا يعفيان راشيا أو مرتشيا من العقاب وقد أكد فقهاء الشرع والقانون جريمة تقديم عطية لموظف عام تحت مسمي هدية أو إكرامية حتي ولولم يترتب علي ذلك إهدار للمال العام. الرشوة لا تزال تسيطر علي كثير من المعاملات اليومية للمواطنين تحت مسميات متعددة وبأغلفة مختلفة والمواجهة ليست مسئولية الدولة وحدها.. بل أن يكون للشعب دور واضح وحاسم في المواجهة ويبدأ هذا الواجب الديني والوطني والأخلاقي بالامتناع عن تقديم رشاوي والإبلاغ عن كل من يعطل مصلحة من أجل الحصول علي رشوة.پ