"يا داخل مصر منك كثير¢ .. مثل شعبي مصري قد لا يكون مشهورا بالشكل الكافي ولكنه يكشف بوضوح عن الذكاء الفطري للمصريين . وقد أعجبني شرح لهذا المثل نشرته مجلة پالرائد العراقية جاء فيه : أن المصريين يريدون أن يخبروا من يدخل عليهم من خارجها إن أمثالك في مصر كثير. فإن كنت عبقرياً فمصر فيها عباقرة كثيرون وإن كنت شجاعاً فإنها مليئة بالشجعان وإن كنت تاجراً فلا أكثر من تجار مصر وإن كنت محتالاً فلن تعرف أن تحتال فيها لأنها مليئة بالمحتالين وإلي آخر التصنيفات. واستطردت المجلة في الايضاح قائلة : "تجد فيها من يقوم الليل في المساجد معتكفاً يدعو ربه تضرعاً وخيفة. وتجد فيها من يسهر ليله في حفلات الرقص والخمر والغناء. والاختلاف هذا موجود في أغلب دول العالم إلاّ أن ما يميز مصر عن غيرها أن أعداد الأشخاص يكون كثيراً في كل مرة". ويري العديد من المفكرين والمؤرخين ان هذه تعددية تظهر ثراء الشخصية المصرية وقدرتها علي الحفاظ علي سماتها الرئيسية. ويقول المفكر الراحل الدكتور جمال حمدان في موسوعته "شخصية مصر" : مصر لم تعرف العنصرية أو التعصب الجنسي. وأي شعوب بتقترب منها بتدوب فيها بتفاعل كيميائي نادر. مثل الحيثيين والليبيين والكوشيين والنوبيين والأغريق. ودا بفضل قوة امتصاص عجيبة. المصري لديه القدرة أن يتعايش مع الشعوب الأخري جنبا الي جنب من غير ما يفقد شخصيته المميزة. ومن ابرز الأمثلة علي كده هو خروج مصر من تحت عباءة احتلال روماني لأكثر من 650 سنة بشخصيتها القديمة دون ادني تأثير. ومن أنصار التعدد في الشخصية المصرية الكاتب والمفكر الراحل الدكتور ميلاد حنا . وفي كتابه القيم "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" قسم هذه الأعمدة الي 4 ترتبط بالتاريخ قائلا: "تأثر كل مصري في أعماق تاريخ أمته بالعصر الفرعوني مرورا بمراحل اليونانية والرومانية ثم القبطية فالاسلام". و3 أعمدة ترتبط بالجغرافيا وهي: الوطن العربي والبحر الأبيض المتوسط وأفريقيا. وخلص الي القول : "الحفريات الجيولوجية للمصري تثبت أن لديه رقائق حضارية طبقة فوق طبقة لا تستطيع فصلها عن بعضها ولو بأقوي إزميل أو بلدوزر. متداخلة تداخل اللحمة والسداة. وأي محاولة لتأميم المصري لصالح طبقة جيولوجية وتغليبها علي أخري هي محاولة مستحيلة ومحكوم عليها بالفشل".. ويري اخرون مثل الدكتور محمد مهدي استشاري الطب النفسي انه تناقض يختلف عن أي تنافضات في اي بلد اخر لانه تناقض صارخ. ويقول في دراسته القيمة بعنوان "الشخصية المصرية" تجد في مصر الفقر المدقع والغني الفاحش . وفيها الظلم وفيها العدل . وفيها القسوة في أشد صورها وفيها الرحمة في أجمل صورها . وفيها العلم والعلماء "أربع جوائز نوبل في فترة زمنية قصيرة" وفيها الجهل المطبق علي غالبية سكانها . وفيها الأزهر والحسين والسيدة نفيسة والكاتدرائية المرقسية والجماعات الإسلامية والمسيحية . وفيها شارع الهرم واستديوهات إنتاج الفيديوكليب . فيها الطيبة والقسوة . فيها الشهامة والنذالة . فيها السماحة والتعصب . فيها الفن الجميل والقبح الفاحش¢. وأري ان الشخصية المصرية تقبل التعددية بحكم التاريخ والجغرافيا ولكن التناقض الذي نعيشه خاصة في العقود الستة الاخيرة كرسته سياسات الحكومات المتعاقبة . وبدأ وضع أسس التناقض في مصر رسميا بصدور قانون الانفتاح الاقتصادي عام 1974 في عهد الرئيس الراحل السادات وما نتج عنه من تنامي القيم الاستهلاكية والرغبة في الثراء السريع . وشيوع ثقافة الفهلوة وانتهاز الفرص. وتكرس بتنفيذ سياسة الخصخصة وتزاوج المال والسلطة في عهد الرئيس المخلوع مبارك.