لم يدر بخلد الخديو اسماعيل عندما قرر شق شارع يحمل اسم محمد علي باشا وعهد بالمهمة إلي هوسمان المهندس المعماري الفرنسي ليتم تصميمه علي الطراز الباريسي عام 1863 أن يتحول من كنز معماري أثري يحتوي علي متحف الفنون الإسلامية ودار الكتب القديمة وحمام بشتك وجامع السلطان حسن والذي يعد من أجمل مساجد العالم ومسجد الرفاعي والذي يلحق به رفات الملك فاروق وأسرة محمد علي وشاه إيران بجانب كونه مركزاً للفنون الشرقية وبيع الآلات الموسيقية الي سوق عشوائي لبيع اكسسورات الهواتف المحمولة والساعات والبواكي التي صممها المهندس الايطالي رينالي علي الطراز الإيطالي وتعد من معالم الشارع الأثرية أصابتها الشيخوخة وتحولت الي مرتع لسائقي الميكروباص والباعة الجائلين ولم يتبق من معالمه القديمة سوي قهوة التجارة التي كانت ملتقي العازفين ومقهي نادي المشير الذي يجلس عليه حفيد صاحب فرقة حسب الله ومتجر صغير لبيع الآلات الموسيقية النفيسة وورشة لتصنيع آلة العود وكان فريد الأطرش والسنباطي وطلال المداح أشهر زبائنها وآخر اسطواته وعمرها الآن 95 عاماً. وقد سكن الشارع العديد من مشاهير الفن منهم فريد الأطرش وشقيقته اسمهان وعاشا فيه طفولتهما وحسني البابا والد الفنانتين سعاد حسني ونجاة حسني وفي احدي الأزقة انتقلت فيها أمينة رزق وهي في سن ال13 لتقيم عند خالتها التي تعمل راقصة بشارع محمد علي وقد أرادت أمينة رزق ان تعمل راقصة لولا ان رأها سكرتير مسرح رمسيس ورشحها للعمل مع يوسف وهبي.. ومن ساكنيه الفنانة نعمت مختار أشهر راقصة في الخميسينيات وكانت أم كلثوم توصف رقصها "بالسيفونية" وقد اعتزلت الفن لترعي ابنها الوحيد "محمد" وخرج منه أيضاً سهير زكي وفيفي عبده ولوسي. ومن أشهر العوامل والتي كانت سبباً في ذيوع اسمه وتم صنع أفلام باسمها بمبة كشر وهي الراقصة الوحيدة التي تنحدر من أسرة غنية وشفيقة القبطية وحكمت فهمي وقد تخصص المخرج حسن الإمام في الأفلام التي تتناول حياة العوالم. وفي جولة داخل الشارع الذي يمتد بطول 2 كيلو متر كانت هناك قهوة نادي المشير والتي يجلس عليها عزت الفيومي حفيد الشاويش حسب الله "71 عاماً" صاحب أشهر فرقة موسيقية فهي المكان الذي يقابل فيه من يريد التعاقد معه علي حفل زفاف أو طهور وعن ذكرياته عن جده حسب الله قال جدي كان شاويش في البوليس وكان يلعب الكلارنيت في فرقة البوليس وعندما أنهي خدمته قام بتأسيس فرقة موسيقية من زملائه السابقين وكان عددهم 25 وقام بتصميم زي عسكري خاص به وأتذكر من فرط أناقته ان أزار بدلته جميعها من الذهب الخالص وقد انشأ الفرقة عام 1905 وقام باحياء حفلة الخديو عباس حلمي الثاني والملك فؤاد الذي أهداه ساعة ذهبية لاعجابه الشديد به وكذلك الملك فاروق وسافر الي دول عربية وكذلك انجلترا وباريس وتوفي عام 1945 وتولي أبي قيادة الفرقة من بعده لأنه لم ينجب سوي ابنه وحيده "مالهاش في الكار" وكنت أذهب معه الي الأفراح وورثت عنه المهنة بعد وفاته ومازلت أسير علي تقاليد الفرقة التي أسسها جدي حسب الله من حيث الالتزام بالزي العسكري وعزف السلام الخديوي وقد تقلص عدد أفراد الفرقة الي 11 يحصل الفرد منهم علي 60 جنيهاً في الحفلة الواحدة وهو عائد ضعيف جداً بالاضافة الي عزوف الناس عنا وتفضيل الدجي والفرق الحديثة مما جعل الشباب يهربون من العمل بالفرقة والبحث عن عمل يجلب لهم عائد أفضل وبالتالي الفرقة لم يتجدد دمائها بالشباب فأعمار أعضائها تتجاوز السبعين مما يهددها بالفناء ونفسي ان تنظر وزارة الثقافة بعين الاعتبار الي الفرقة فهي تراث شعبي عظيم يجب الحفاظ عليه وأتمني ان نلتحق بالعمل في وزارة الثقافة.. وعن موارد الفرقة يقول نعاني من الركود أغلب فترات السنة باستثناء الأفراح التي تجري في بعض المساجد التي تتعاقد معنا والأفراح الشعبية مؤكداً أنه يقضي معظم وقته علي قهوة المشير مع أعضاء فرقته لحين يأتي من يتفق معه علي فرح أو طهور لأنه حتي الآن لا يملك مكان لتتجمع به الفرقة. وعن رأيه في الأفلام التي تناولت شخصية جده حسب الله أجاب لم يعجبني أداء الفنان عبد السلام النابلسي في أداء شخصية جدي فجدي كان صاحب كاريزما وصارم وأنيق جداً وقد التقيت بعبد الحليم حافظ أثناء تواجده مع محمد الموجي في محل جميل جورجي لتصنيع آلة العود وقلت له الفيلم وحش وضحك وكنت ساعتها طفلاً صغيراً. وعن ذكرياته عن عمالقة الطرب فريد الأطرش والسنباطي وأحمد صدقي يحكي عم محمد "73 سنة" أشهر صانع عود في الشارع فيقول عملت وأنا صغير في محل جميل جورجي الذي صنع العود الذي ظهر به فريد الأطرش عام 1946 في أغنية الربيع كما صمم عود للموسيقار محمد عبد الوهاب وشفيق جلال وقد تكلف عود فريد الأطرش 4000 جنيه فهو مصنوع من خشب الورد مطعم بالأبنوس ليعطيه نقاء في الصوت وبالرغم من العود الفخم الذي أهدي إليه من أحد الأمراء العرب إلا أنه أصر علي الاحتفاظ به وهو الان في بيت شقيقه وقد سمعت أنه ينوي بيعه في المزاد وهو لا يقدر بثمن ويستمر في ذكرياته قائلاً الاستاذ فريد كان طيب وابن بلد وعاش وسطنا سنوات طفولته وشبابه حتي فرجها الله عليه وأصبح يغني في صالة بديعة ثم عمل بالسينما وانتقل الي المنيل ومع ذلك كان يتردد علي محل جورجي ونشأت بينهما صداقة بحكم أنهما سوريان وقد سمعت انه أحب عالمة من شارع محمد علي وكانت تسكن في نفس الشارع والله أعلم.. وكان الأستاذ السنباطي رجلا طي وعشري ويهوي مشاهدتنا ونحن نصنع العود أما الأستاذ عبد الوهاب فكان إذا أراد شراء عود أرسل سائقه الي جميل جورجي.. ومن زبائنه من الجيل الحالي قال محمد الحلو زبوني منذ كان طالباً بالمعهد والمرحوم حسن الأسمر وطارق فؤاد الله يشفيه. ويستمر في حديثه قائلاً: مر علي الورشة اسماء عديدة منها المرحوم صالح عبد الحي وشكوكو والجيزاوي وعلي بعد أمتار كانت تسكن الست أمينة رزق مع خالتها وكادت تعمل معها راقصة لولا أن رأها سكرتير فرقة رمسيس ورشحها ليوسف وهبي وفي آخر الشارع كانت تسكن الراقصة نعمت مختار واشتغلت بالسينما واعتزلت لتربي ابنها الوحيد "محمد". وعن انقراض مهنة العوالم أو الاسطوات يقول لم يعد هناك عوالم كان زمان اسماء شهيرة مثل بمبة كشر وزوبة الكمسارية وشفيقة القبطية ونعيمة شخلع ولم يتبق سوي واحدة عمرها الآن 95 عاماً تسمي أم أحمد. وعن منافسة العود الصيني وسحب البساط من المصري يقول الصيني ليس بجودة الصناعة المصرية فنحن أساتذة في هذا المجال ومازال الشارع له زبائنه من جميع الطبقات وعلي عكس ما يقال الصفة لن تنتهي فهناك طلاب المعهد الموسيقي وكلية التربية النوعية بالإضافة إلي محبي الطرب فأنا متفائل بقرب انتعاش المهنة. وعن صناعة العود يقول عم سامي: عود فريد الأطرش هو الأشهر بين شباب العازفين وأفضله المصنوع من خشب الجوز والأينوس والماهوجني ويتم صناعة الوجه أولاً من الخشب الأبيض ويغطي شرائح بمقاسات محددة يتم لصقها فيما بعد لتصبح الوجه الذي يراه الناس ثم يأتي دور "القصعة" وتصنع من خشب الجوز أو الهندي يتم لصق كل قالب خشب مقاسه وبعدها تأتي مرحلة الرقبة وفيها مفاتيح الأوتار والفتحات الموجودة في وجه العود ثم مرحلة طقم السماعات ويغطي بالصدف لأعطائه الشكل الجمالي مثل عود "الأطرش" الذي كان يتميز بزخارف مختلفة عن غيرها ثم تأتي آخر مرحلة وهي قشط ونفرة وتلوين العود وقد اكتسبنا خبرة من العمل بورش الجوهري وجورجي الذي أنشأ ورشة عام 1906 وخرجت أجيال عديدة مؤكداً أن المصري والعراقي والسوري من أشهر صناع العود. وتتراوح أسعار العود حسب خامته من 350 حتي 15000 جنيه وقد دخل حديثاً العود الكهربائي ويحتوي علي ميكروفون بداخله ويختلف العود الرجالي عن الحريمي في كونه أكبر حجماً ومن أشهر عازفات العود عايدة الأيوبي وترتفع أسعار الجيتار كثيراً من العود وتبدأ أسعاره ب 950 جنيهاً ويلقي إقبالاً شديداً من الشباب. وفي داخل إحدي المحلات الشهيرة لبيع التحف من الآلات الموسيقية وجدنا عدد منها يرجع تاريخها لمئات السنين ويقول محمد عبدالرحمن "51 سنة" صاحب المحل لقد ورثته عن جدودي وقد بدأت العمل في جمع الآلات الثمينة من المزادات والقصور مع أبي منذ الصفر وهناك قصور وفيلات في المنيا وسوهاج تضم قطع أثرية نادرة يقوم أصحابها ببيعها في المزاد أو تلقي بها إلي تاجر الروبابيكيا غير مقدرة ثمنها وقد اشتريت تحف نادرة من الروبابيكيا بأسعار أقل من قيمتها الأصلية ومنذ 30 عاماً حضرت مزاد في قصر عابدين واشتريت منه بيانو الملك فاروق الذي قام بشرائه واهدائه لزوجته ناريمان في عيد ميلادها وكان ملحق به وثيقة أصلية من صاحب المحل وكتب فيه "إلي من يهمه الأمر فإن البيانو هو رقم 34530 صناعة ألمانية عبارة عن بيانو وأورج وماندولين صمم خصيصاً لجلالة الملك فاروق الأول لاهدائه إلي الملكة ناريمان زوجته وترجع الوثيقة إلي محلات بيانو مرزوق ويعتبر خبيراً وموزعاً عام لجميع الآلات الموسيقية" واشتريت أيضاً 2 بيانو قديم وجاء لي أشخاص من رئاسة الجمهورية يطلبون شراء واحد لجمال مبارك وآخر لسوزان ووصل سعر الواحد إلي 35 ألف جنيه وهما من الأنواع النادرة التي لا مثيل لها ويضيف من خلال طوال فترة عملي بهذا المجال اكتسبت خبرة في تحديد قيمة الآلة سواء من خلال شكلها أو تاريخ صنعها فمثلاً الكمنجة الأصلية لابد أن يمر عليها 100 عام ولا يوجد من يقتنيها في مصر سوي 2 أو 3 وتباع بملايين وقد تمنيت أقتناء عود فريد الأطرش فهو من التحف الأثرية ويتذكر أن المطربة نور الهدي كانت تجيد عزف العود وقام محل الجوهري بتصنيعه لها وبعد وفاتها تم عرضه للبيع وقمت بشرائه وبيعه لأحد عشاق مقتني الآلات الموسيقية.