** نجح الدبلوماسي المصري ذائع الصيت الأستاذ عمرو موسي في تسليط الأضواء حول مذكراته التي تصدر في ثلاثة أجزاء بعنوان: "كتابيه". ولكنه اختار السير في الطريق المعاكس. وواقع الحال أن موسي قد فقد بوصلة دبلوماسيته التي تميز بها عبر عشرين عاماً من العمل السياسي. عشرة منها في منصب وزير الخارجية. والعشرة الأخري أميناً عاماً لجامعة الدول العربية. فقد قرر الرجل نشر مذكراته وهذا حقه. ولكنه اختار توقيتاً مريباً وأسلوباً لا يليق بالقيم والأعراف الدبلوماسية. فالعالم يقف علي حافة الهاوية ولم تعد الأزمة إقليمية. بل تجاوزت حدود الشرق الأوسط إلي الولاياتالمتحدة ومن يدور في فلكها في مواجهة كوريا الشمالية وعلي رأسها زعيم لا يقل تهوراً عن دونالد ترامب. هذا من حيث التوقيت. وأما المضمون فقد كان صادماً. وأزعم أن محللي السياسة يحارون في تفسيره. فقد حرص عمرو موسي من خلال عدة فصول نشرتها جريدة الشروق أن يهيل التراب مجدداً علي زعيم وطني أزعم أنه أعظم من أنجبت مصر من أبناء في القرن العشرين وأعني جمال عبدالناصر. وكما ذكرت فإن محللي السياسة يعجزون عن تفسير الإساءة إلي عبدالناصر في ذلك التوقيت. وبهذا الكم من الافتراءات كما جاء بمذكراته. وإن كان هناك من تفسير محتمل. فقد أراد الرجل لفت الانتباه إلي مذكراته علي طريقة "خالف تعرف". لكن عمرو موسي وهو من هو لم يكن في حاجة إلي شهرة أو مجد أو مال. فمن ذا الذي دفعه إلي خيانة ضميره الوطني والترويج مجدداً لأفكار حزب الوفد المعادية لثورة يوليو وقائدها..؟ ** لم يترك عمرو موسي نقيصة سياسية إلا وألصقها بعبدالناصر. فقد اتهمه في المجمل أنه عمل علي تفتيت مصر. وتوقف طويلاً أمام معركة 1967. متجاهلاً عظيم دور عبدالناصر في إعادة بناء الجيش. وإقامة حائط الصواريخ. وإهانة العسكرية الإسرائيلية في رأس العش. وتدمير إيلات بعد شهور من معركة 67. وخوض حرب الاستنزاف العظيمة. وأثبت بالفعل أن الإرادة المصرية لا تقهر وارتبط اسمه بوضع الخطة جرانيت الأولي والثانية لتحرير سيناء. فلم تكن معركة 1967 حرباً فاصلة. لكنها كانت جولة ضمن ثلاث جولات من الحروب بين مصر وإسرائيل خلال ست سنوات. ما بين 67. 73 حسمت لصالح الجيش المصري. ونسي عمرو موسي أو تناسي أن إسرائيل تعتبر الحرب مع العرب صراع وجود لا صراع حدود. وأن خسارة معركة لا تعني الهزيمة. فالحرب سجال. والشعوب تبني حضارتها بالحرب وليس بالسلم. فلم تكن جولة 1967. هي الحاسمة في الصراع العربي الإسرائيلي. ودعونا لا ننجرف أمام ما جاء في مذكرات موسي من افتراءات. فلا يوجد دليل علي أن الزعيم كان يأكل من سويسرا طبقاً لتعليمات الأطباء. فمثل هذا الأمر يتعارض تماماً مع طبيعة وثوابت الزعيم الراحل. وتحضرني واقعة استيراد لحم الطاووس في حفل لأحد كبار الشخصيات لا مجال للخوض فيها هنا. ** آخر الكلام: اتهم عمرو موسي في مذكراته. الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بأنه كان ممثلاً في مسرحية مظاهرات التنحي الشهيرة في أعقاب معركة 1967. ولم يشر من قريب أو بعيد إلي عظيم دوره كزعيم وطني مخلص لبلاده أحب الشعب. فأحبه شعبه. فرغم الهزيمة والانكسار. فقد استطاع ناصر أن يقدم مشروعاً لبناء دولة حقيقية. وفي العام التالي مباشرة علي معركة يونيو تم إعلان مصر خالية من البطالة. وذكر الاستاذ سيد عبدالغني رئيس الحزب الناصري في معرض رده علي محتوي المذكرات أن مصر قد حققت أعلي معدل تنمية بمقدار 7.2 في عام 1968. وبحسب تعبيره. فقد كان أعلي معدل للتنمية في العالم وقتذاك. وإذا كانت مظاهرات التاسع والعاشر من يونيو مسرحية. فهل كانت جنازته التاريخية في مطلع أكتوبر من عام 1970 مسرحية ايضا..؟ وهل ذكر الأستاذ عمرو موسي في مذكراته أن خمسة ملايين من المصريين خرجوا لوداع زعيم أعطي جل حياته لمصر. إنها جنازة القرن العشرين التي تفند مزاعم خصوم عبدالناصر.