بناء علي دعوة من بعض أهالي قرية أبيس القومية مركز كفر الدوار محافظة البحيرة قمت بزيارة منطقة "الأبيسات" الأسبوع الماضي. وبالرغم من زياراتي المتكررة لتلك القري خلال فترة تواجدي بمحافظة البحيرة وخلال الجولات التي كنا نقوم بها لتعريف المواطنين بالدستور وأهمية التوجه والمشاركة في الاستفتاء عليه خلال يناير 2014 وتعرفي علي كثير من الأهالي وعلي رأسهم الحاج محمود الخولي نقيب الفلاحين بمناطق "الأبيسات". إلا أنني استطعت خلال هذه الزيارة والتجوال بالمنطقة والمناقشات مع الأهالي التعرف علي أصل وبداية هذا المشروع الذي اعتبره وبحق من المشروعات القومية العملاقة التي تمت في عهد عبدالناصر وغير معروفة بالتفصيل للشعب المصري وخاصة الشباب والأجيال الجديدة. وتقع منطقة الأبيسات علي مساحة حوالي 67 ألف فدان جنوب بحيرة مريوط بالإسكندرية وشرق مناطق العامرية في مدخل الطريق الصحراوي وغرب مركزي كفر الدوار وأبوالمطامير بمحافظة البحيرة وتنقسم مناطق الأبيسات إدارياً ما بين محافظتي الإسكندريةوالبحيرة. ولقد بدأ المشروع في عهد عبدالناصر عام 1955 حيث كانت تلك المنطقة عبارة عن بحيرات مالحة ومعظمها مملوكة لعائلات عمر طوسون باشا وعائلات الزوربا وكانت تستخدم بواسطتهم في مجال الصيد الشخصي والجماعي. وفي إطار خطط عبدالناصر بعد ثورة 1952 لاقتحام الصحراء المصرية وزيادة الرقعة الزراعية والبدء بمشروع مديرية التحرير شمال الخطاطبة ما يسمي حالياً بمركز بدر. تم علي التوازي تنفيذ مشروع تطوير الأبيسات حيث تم توقيع اتفاق بين الحكومة المصرية والهيئة الأمريكية لتنمية الريف لتنفيذ عمليات إصلاح وتسوية أراضي الأبيسات وتنفيذ عمليات شفط المياه ودفعها إلي البحر الأبيض المتوسط وبحيرة مريوط وتم إمداد المشروع بمعدات وقصابات من تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية وتم الاتفاق علي تنمية المشروع بالمشاركة بين الجانب المصري والأمريكي علي أساس احتياج المشروع لفترة زمنية طويلة ولكن مع سرعة تنفيذ أعمال التسوية وأحداث حرب 1956 أعلن الرئيس عبدالناصر تولي الجانب المصري مسئولية المشروع بالكامل وتوزيعه علي صغار الفلاحين بمحافظات الدقهلية والمنوفية والشرقية والصعيد وذلك من خلال مجهودات لجنة من ثلاث وزراء جابت هذه المحافظات لاختيار الفلاحين وتوزيع خمسة أفدنة علي كل عائلة بدون مقابل مادي. والاعجاز في هذا المشروع انه تم التخطيط العمراني للقري بواسطة لجان من المهندسين المتخصصين وتقسيم القري إلي قري رئيسية بعدد ثماني قري وتسمي حالياً بأبيس 1 وحتي أبيس 8 حيث تم بناء 300 منزل لعدد 300 عائلة في كل قرية وبأسلوب معماري وتخطيط متميز. وتم بناء عدد 12 قرية صغيرة تابعة لكل قرية رئيسية وبناء عدد 100 منزل في تلك القري ولم ينس المخططون توصيل الكهرباء ومياه الشرب بل وتم تنفيذ مشروعات صرف صحي من المنازل حتي الوصول لترنشات رئيسية لكل قرية. ولقد تم استقبال أوائل المجموعات المهاجرة إلي قري الأبيسات خلال عام 1960 لقري أبيس "1. 2" وخلال عام 1961 لقري أبيس"3. 4" وعام 1962 لقري أبيس "5. 6" وهكذا ومع مرور الزمن وخلال 55 عاماً تزايد عدد السكان الحاليين وتم إنشاء مجتمع زراعي عمراني تجاري متكامل علي مساحة 67 ألف فدان وتنوعت أعمال الأهالي من مجال الزراعة إلي مجالات الإنتاج الحيواني والداجني والصناعي والتجاري ويتم في الأبيسات زراعة الفول والقمح واللوف المحمل علي البطاطس والخرشوف في الزراعات الشتوية وتشارك هذه المنطقة مع قرية سيدي غازي بكفر الدوار في تصدير الخرشوف لفرنسا ودول أوروبا وتركز المنطقة في الزراعات الصيفية علي الأذرة والقطن والأرز واللوف والطماطم والفواكه. وتعتمد أراضي الأبيسات علي مياه الري من ترعة أبيس المستجدة المتفرعة من ترعة المحمودية والتي تم انشاؤها خلال بداية المشروع عام 1958 بواسطة الفلاحين مستخدمين الفأس والغلق نظراً لعدم وجود معدات ميكانيكية في ذلك الوقت بالاضافة إلي استخدام جزء من هذه الأراضي مياه الصرف المخلوط بنسبة 70% مياه حلوة والباقي 30% مياه صرف زراعي قادم من مصرف سيدي غازي. ويتميز التصميم الهندسي للاراضي الزراعية إحاطة الأراضي بسكك عمومية كل 110 أمتار فقط وتواجد ترع ومصارف صغيرة حول كل عشرة أفدنة فقط. بالرغم من إحياء مناطق الأبيسات بواسطة الطريق الدولي الذي يمر بشمال المنطقة وأدي إلي ربط القري بكل المحافظات المحيطة وسهولة الوصول والتحرك لأهالي المنطقة. ويعاني سكان مناطق الأبيسات الذي يقدر حالياً بحوالي 250 ألف مواطن من التوزيعپبين محافظتي الاسكندريةوالبحيرة بالنسبة للاعمال الإدارية وتبعية المواليد الجدد. وهنا يمكننا الرجوع لأسلوب تصميم وتنفيذ قري هذه المنطقة التي يسكنها مواطنون بقمة الوطنية والانتماء وحب الوطن وحب عبدالناصر والسيسي ورؤيتهم في الرئيس السيسي انه عبدالناصر الذي أسس لهم تلك المنطقة وجذب أباءهم وأمهاتهم من المحافظات الأخري ورفع المستوي الاقتصادي والاجتماعي من عائلات معدمة إلي عائلات تمتلك أراضي زراعية وسكن. وزيادة القدرات التجارية والصناعية والتسويقية وقدرتهم مع مرور الزمن علي شراء أراضي استصلاح أخري بوادي النطرون ثم في مشروعات الريف المصري في إطار المشروع القومي لاستصلاح 1.5 مليون فدان. وتوافر السيولة لدي عائلات هذه المنطقة نظراً لتنوع الأعمال التي يقومون بها شاملاً الزراعة والصناعة والتجارة والإنتاج الحيواني والسمكي. وأناشد كل مواطن مصري للتحرك نحو الصحراء واقتحام مجال استصلاح الأراضي ودراسة ماض وحاضر ومستقبل عائلات الأبيسات والتطور الايجابي الذي حدث لهم بواسطة مجهوداتهم الشخصية ومجهودات الدولة منذ 1955 وحتي الآن واهتمام عبدالناصر بالصحة والتعليم لأهالي تلك المنطقة وأتذكر هنا شقيقتي الدكتورة نجوي هدهود التي سبق ان تم تكليفها للعمل باحدي الوحدات الصحة بأبيس "4" بعد تخرجها في طب عن شمس عام 1972 ولمدة عامين وكنت لا أعرف في ذلك الوقت شيئًا عن الأبيسات. ويؤكد ذلك بأن الدولة كانت عازمة لتقديم كل الخدمات التعليمية والصحية لأهالي تلك المنطقة التي تحقق حالياً عائدًا ايجابيًا للاقتصاد المصري. وأخيراً تحية خاصة لعائلات وأهالي الأبيسات وأناشدهم بالاتجاه نحو التعليم لأبنائهم وأحفادهم لاستكمال مسيرة التنمية المنشودة في عهد الرئيس السيسي.