بعيدا عن الضجيج الإعلامي وما تنشره صفحات التواصل الاجتماعي في تعليقاتها عن نتائج قمة رؤساء دول وحكومات حوض النيل التي عقدت علي مدار يومين بالعاصمة الأوغندية "كمبالا". والتي شهدت إجراءات أمنية واستعدادات غير مسبوقة بمناسبة انعقادها لأول مرة بعد أن كانت مقترحا. وتوصية من قبل مجلس وزراء مياه النيل في ختام اجتماعهم عام 2007 التابع لمبادرة حوض النيل. بعد ما فشلت محاولات تقريب وجهات النظر بينهم في ثلاث نقاط خلافية من بنود الاتفاقية الإطارية للتعاون المستقبلي بين دول حوض النيل لتنمية موارد النهر لصالح الشعوب المعروفة ب "اتفاقية عنتيبي". كشفت مصادر مسئولة شاركت في القمة للجمهورية ان قمة الرؤساء سبقها ماراثون من المفاوضات والحوارات الجانبية والمناقشات.. استمر لساعة متأخرة تخطت الثانية فجرًا بتوقيت القاهرة. والقمة كان موعدها في الثامنة صباح اليوم التالي "الخميس" بنفس التوقيت وذلك بهدف التوصل لصيغة توافقية حول النقاط الخلافية في اتفاقية عنتيبي تسمح للرؤساء بتوقيعها والتوافق حولها من خلال المشاورات المغلقة.. تلك النقاط التي قام عدد من دول المنابع بالتوقيع المنفرد علي بنودها "مايو 2010" رغم وجود هذه الخلافات بينهم وبين دولتي المصب. والتي كانت وراء قرار مصر بتجميد لمشاركتها في كافة أنشطة المبادرة مما ترك أثرًا عكسيًا في استمرار هذه الأنشطة نتيجة تأكيد المانحين لهذه الأنشطة" شركاء التنمية" بالتوقف عن تمويل أي أنشطة ما لم يتم التوصل لاتفاق في هذه الخلافات.. وقبل الخوض في رصد وتحليل نتائج القمة. لابد من التأكيد. والإشارة علي أن أي نتائج تحققت وتم رصدها في السطور القادمة لم تكن لتظهر. وترصد لولا الجهود والقدرات الخاصة للرئيس السيسي الذي حول "حلمًا" وتوصية قائمة منذ عشر سنوات. وفشلت مصر منذ ذلك الوقت في تحقيقه اما لضعف موقفها أو تقاعس مسئوليها. وإهمالهم لخطورة القضية والأمن المائي. واما لوجود مواءمات اقليمية ضمن المخطط "بتقزيم مصر" والذي كانت قمة ذروته "بثورتا يناير ويونيه".. لكن مع تولي الرئيس مسئولية البلاد ليقود مصر المستقبل نحو القرن الحادي والعشرين بقوة ومهارة وإيمان حقيقي بإمكانيات الدولة المصرية وشعبها حيث يمنحه ثقة وقدرات. وبإصرار علي بذل الجهد لتحقيق الهدف. استطاع الرئيس السيسي أن ينقل فكرة "القمة بين رؤساء حوض النيل" بذكائه وبإحساسه الوطني. وبمعاونة رجال مخلصين لمصر وشعبها من تحويلها من مجرد دعوة منذ عشر سنوات. إلي واقع ليقود به البلاد إلي بر الأمان في ملف مياه النيل. الذي لا يمكن اختصاره ليس في عقد القمة والنتائج الإيجابية المتوقعة منها والتي تأتي قبل انعقاد القمة السنوية للاتحاد الافريقي وحرص مصر علي تقديم نموذج للتعاون الاقليمي بين دول القارة مثلما حدث بين دول نهر السنغال. وانما في توقيع اتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة بين رؤساء دول النيل الشرقي. والذي استغرق وقتًا لكي يحقق ويؤكد الأبعاد السياسية للسد والتي حاول لسنوات كل من الخرطوموأديس أبابا في تحجيم الأزمة في بعدها الفني فقط. ومن ثم أصبح لدي مصر وثائق رسمية موقعة تكشف حجم التعنت الذي مارسته كل من السودان وإثيوبيا تجاه مصر وشعبها ويحدد حجم الإدانة الدولية لهذا التعنت. جدية حقيقية أوضحت المصادر ان المواطن يشعر لأول مرة بجدية الدولة بأجهزتها ومؤسساتها المعنية بملف مياه النيل وعلي رأسها بالطبع مؤسسة الرئاسة بعد سنوات من الإهمال وسوء التخطيط وغياب التنسيق والرؤي المشتركة بين الأجهزة السيادية والوزارات المعنية بالملف مؤكدين ان القيادة السياسية نجحت في توحيد وتنسيق محاور التعاون والتكامل بين الأجهزة بتقديم النموذج والقدوة في التعامل المباشر في الملف طالما دعت الحاجة إلي ذلك. وما يراه من خطوات تقوم بها بشكل مباشر لتحقيق الأهداف المرجوة من ملف التعاون بين دول الحوض لصالح الشعوب.. بالرصد والتحليل. أشارت المصادر إلي أن وفد الخارجية المصرية كان نموذجًا مشرفًا في مهارات التفاوص والحوارات.. ومالكًا لأدوات ومهارات هذا التفاوض. حيث لم يتركوا شاردة أو واردة دون وجود رد حاسم عليها بما يتفق مع قواعد القانون الدولي. والأعراف الدولية المعنية بالأنهار العابرة للحدود. بالإضافة إلي وفد الري برئاسة الوزير باعتباره مسئولاً عن الجوانب الفنية في اتفاقية عنتيبي حيث ان التنسيق بينهما كان مشرفًا. وعلي أعلي مستوي لدرجة نجاحه الهائل في إيقاف أي محاولات من قبل البعض لإفشال القمة بمحاولات دون المستوي! ولولا يقظة الوفد لما نجحت القمة في تحقيق أهدافها غير المعلنة التي يرصدها المراقبون. البداية تبدأ بنظرة إلي البيان الصادر من الرئاسة الأوغندية للدعوة إلي القمة حيث أشار إلي أن القمة تهدف إلي بحث مجالات التعاون المشتركة بين دول الحوض ومناقشة آليات التوافق لحل الخلافات حول النقاط الخلافية في اتفاقية عنتيبي الخاصة بالتنمية المشتركة للدول علي مياه النيل. ومناقشة نتائج وتوصيات الاجتماع الوزاري الاستثنائي لوزراء المياه الأخير. "قبلها بشهرين بمدينة عنتيبي الأوغندية مقر سكرتارية مبادرة حوض النيل.. إذا كان ذلك الهدف المعلن من اجتماع القمة.. إذن من أول وهلة. وبنظرة للبيان الختامي الصادر عنها يمكن القول ان القمة أخفقت أو فشلت.. ولكن التعمق في تفاصيل ما تم. وقراءة تحليلية لما وراء هذه القمة سوف نكتشف انه حقق نجاحات متعددة أولها ان صدور البيان الختامي بإعلان الاتفاق بين المشاركين علي عقد لقاء سنوي بين وزراء الخارجية والموارد المائية بين دول حوض النيل يمثل من وجهة نظر المراقبين لملف مياه النيل والعلاقات السياسية بين دول الحوض والدولة المصرية مع رصد طبيعة هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة سواء ما قبل ثورة يونيه. وما بعدها نجد أن القمة نجحت في الإعلان عن أول تقارب حقيقي وملزم للدول المشاركة بالقمة بأن الحوار الجماعي والتفاوض المباشر "دون وسائط" هو الطريق الأنسب والأفضل لحل أي مشكلات ومواجهة أي عوائق تحول دون التعاون المشترك والمباشر في مختلف المجالات التنموية بحيث لم يعد قاصراً علي التعاون والتنسيق في مياه النيل فقط بل يمتد ليشمل باقي التحديات المشتركة التي تواجه هذه الدول علي المستوي الإقليمي.. مثل مشاركة مصر في الدفاع عن مصالح القارة الأفريقية في قضية التغيرات المناخية والتعاون الإقليمي في مختلف القضايا المشتركة التي تهدد مشروعات التنمية لشعوب النيل. علاوة علي التحرك المشترك من خلال تجمع الساحل والصحراء ضد الإرهاب السياسي الذي يهدد التنمية وكذلك التكتلات الاقتصادية الإقليمية. يري المراقبون أن عقد "القمة" هو نتاج لجهود مؤسسة الرئاسة علي مدار السنوات الثلاث ومنذ توليه المسئولية التي تسلمها ومصر عضويتها مجمدة في الاتحاد الأفريقي. وتشكيل لجنة من حكماء القارة للتأكد أن ما حدث في 30 يونيه ثورة شعبية. وعليه تم إلغاء التجميد.. وعادت مصر بقوة وبإيقاع سريع لمكانتها في الاتحاد الأفريقي باجتماعاته وأنشطته المختلفة وذلك من خلال رؤية استراتيجية غير قابلة للتراجع بتغير الوزراء أو المسئولين.. تلك الرؤية التي نسجها وبدأها الرئيس بنسج خيوط من حرير تعيد العلاقات إلي طبيعتها الذي افتقدته لسنوات طويلة. وفي صمت وهدوء وحكمة مع دول القارة الأفريقية. إذابة الجليد حيث نجح الرئيس السيسي في إذابة الكثير من الثلج في العلاقات الإنسانية والشخصية بين رؤساء دول الحوض لتنمية موارده لصالح الشعوب. من خلال حرصه علي المشاركة في كافة الأنشطة والمؤتمرات المعنية بهموم ومشاكل القارة الأفريقية في المحافل الدولية والتحدث بهمومها وكذلك مشاركته الدائمة في اجتماعات القمة الأفريقية وعقد لقاءات ثنائية مع رؤساء الدول والحكومات علي هامش تلك القمم وهو ما ساعد كثيراً في استيعاب الجميع لحجم الخطر من عدم الاتفاق أو التوافق حول الخلافات العالقة. الخلاصة لضيق المساحة يمكن تلخيص المكاسب الحقيقية من القمة. والتي من الصعب الإعلان عنها. ولكن من حق المتابعين للملف أن يحللوا ويقدموا لنا رؤيتهم التي تتلخص فيما يلي: إن موافقة الرؤساء علي عقد اجتماعات سنوية لوزراء الخارجية والموارد المائية بين الدول المشاركة في القمة. واستمرار الحوار المباشر بينهم لحل النقاط الخلافية في الاتفاقية. وكذلك المتابعة المباشرة من قبل الرؤساء لهذه الاجتماعات تمثل خطوة غير تقليدية. وجادة ومطلوبة لإنهاء العزلة التي حاولت بعض دول الحوض بزعامة أديس أبابا وقت النظام السابق. واستمر حتي ثورة 30 يونيه لعزل مصر عن أشقائها في حوض النيل علاوة علي تأكيدهم لأهمية وجود إرادة سياسية قوية من رؤساء الدول المشاركين في حرصهم علي استمرار التعاون المشترك لصالح الشعوب في أشارة منهم لأهمية التوصل لاتفاق حقيقي يحقق الأمن المائي للجميع والتنمية دون الإضرار. المكسب الثاني نجاح الرئيس والوفد المصري في توضيح وجهة النظر المصرية في تلك الأزمة أمام المشاركين سواء علي المستوي الوزاري أو علي مستوي القادة مما ساعد. كما يري المراقبون وحسب المعلومات المتوافرة في قيام ثلاث دول علي الأقل من الاتفاق مع الوفد المصري علي إعادة النظر في موقفهم من الاتفاقية ببنودها الحالية التي تضر بالأمن المائي لمصر وشعبها. بعدما استمعوا لشرح واف من قبل الوفد المصري بأجنحته المختلفة لتفاصيل وجهة النظر المصرية وبالتالي هذا الاتفاق يمثل إضافة للموقف المصري ويقويه في المفاوضات القادمة. لم يكن يتحقق لولا انعقاد القمة وتحركات الرئيس علي مدار السنوات السابقة لإصلاح ما أفسده الآخرون! يؤكد المراقبون أنه من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة مزيداً من التعاون بين مصر ودول الحوض علي المستوي الثنائي. والذي تزايد خلال السنوات السابقة بعد قيام مؤسسة الرئاسة بتكليف الخارجية بإنشاء المبادرة المصرية للشراكة من أجل التنمية مع أفريقيا. وذلك بعيداً عن أي مشاركة في مبادرة حوض النيل بأنشطتها. ومشروعاتها. بعد أن أكدت مصر لأشقائها من المشاركين علي استمرار تمسكها بموقفها في إيقاف مشاركتها في أنشطة المبادرة عدا الاجتماع الوزاري واحتفالية يوم النيل الإقليمية لحين التوصل لتوافق في النقاط الخلافية. ولكي نستوعب قرار التجميد بأبعاده الحقيقية. وغير المعلنة يمكن الإشارة إلي أن استمرار عدم التوافق. والخلافات بوقف كافة أشكال التمويل فنياً ومالياً من قبل شركاء التنمية برئاسة البنك الدولي الممولين للمبادرة بأنشطتها ومشروعاتها. بما فيها مشروعات الرؤية المشتركة بين مصر ودول البحيرات الاستوائية لصالح الشعوب من خلال المبادرة المتفق عليها من قبل الجميع. ومن ثم تتعطل المشروعات التنموية الأساسية لشعوب النيل ناهيك عن تراجع الاستثمارات الدولية في هذه الدول علي اعتبار أنها مناطق غير مستقرة. أيضاً نجاح الوفد المصري في تأكيده لزملائه بالواقع والممارسة حرص مصر علي المساهمة والإسهام بشكل إيجابي كشريك في التنمية المستدامة لجميع دول حوض النيل من أجل القضاء علي الفقر وتوفير المياه والطاقة والأمن الغذائي لجميع شعوب النيل. وكذلك اقتناعها الراسخ بأن تعاوننا الجماعي في حوض النيل يجب أن يسعي إلي إيجاد حلول مستدامة لجميع اهتماماتنا سواء كانت ندرة المياه أو تحديات تنموية وتغير المناخ وأن حقوق ومصالح جميع دول حوض النيل ينبغي أن تولي الاعتبار الواجب. بوصفها أسرة واحدة وحوض واحد. يؤكد المراقبون أن قيام الوفد المصري يطرح رؤيته للتعامل مع مشاكل الطاقة في بعض دول المنابع كان عنصرًا حاسمًا في تغير موقف بعض الدول تجاه مصر من اتفاقية عنتيبي حيث أوضح الوفد نتائج الدراسات الأخيرة لتأثير ظاهرة التغيرات المناخية علي منطقة حوض النيل أوضحت أن تكلفة إنشاء سدود أو خزانات لإنتاج الطاقة الكهرومائية غير مجدية نظراً لتوقع أن تتعرض المنطقة لفترات جفاف طويلة مما تصبح معه تلك السدود غير مجدية اقتصادياً نتيجة توقف التوربينات عن العمل