لا أتصور أن عملية استرداد أراضي الدولة المستولي عليها بوضع اليد من جانب أفراد أو شركات قد انتهت وحققت أهدافها كاملة أمس. وهو نهاية المهلة التي حددها الرئيس السيسي لهذه العملية. الرسالة المستهدفة من العملية وصلت.. وهي أن هناك إرادة سياسية قوية لاسترداد هذه الأراضي. وأنه لا أحد فوق القانون. لكن في التطبيق العملي علي الأرض. لم تنته العملية بعد.. تم استرداد الكثير. لكن ليس كل الأراضي المستولي عليها.. الأمر يحتاج إلي وقت أطول. السبب أن أحدا لم يسأل منذ البداية: هل لدينا حصر كامل بكل أراضي الدولة المستولي عليها في جميع المحافظات؟! هل لدينا قاعدة بيانات بها؟! وما هو تاريخ هذا الحصر؟! فعملية الاستيلاء علي أراضي الدولة عملية مستمرة.. كل يوم يحدث ذلك في مكان ما في مصر. وبالتالي فإن الاعتماد علي بيانات 2015 أو 2016 علي أنها تمثل كل هذه الأراضي لا يصبح دقيقا أو حقيقيا. وإعطاء "تمام يا فندم" للقيادة بأنه تم إزالة التعديات عليها واستردادها لا يصبح صادقا. هذه نقطة مبدئية.. كفانا عشوائية في الفكر والعمل.. المعلومات الدقيقة عن أي إجراء قبل اتخاذه. هي البداية العلمية الصحيحة. والضمان الأكيد للنجاح فيه. ما تم في الواقع ورأيناه حتي الآن. هو تطبيق "رمزي" للرسالة المستهدفة بجانبيها السياسي والقانوني. توجهت عمليات التنفيذ إلي حالات الاستيلاء الكبيرة الظاهرة والمعروفة للجميع سواء من جانب أفراد أو شركات. والتي يمكن من خلالها استعادة آلاف الأفدنة وملايين الأمتار. بحيث تبدو الحصيلة ضخمة عند عرض تقارير الإنجاز. تم اختيار شخصية كبري أو أكثر. بصورة رمزية. وإزالة تعديها علي أرض الدولة. مثلما حدث مع فيلا الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق. وفاروق حسني وزير الثقافة الأسبق. لتأكيد الشق الثاني من الرسالة. وهو أن لا أحد فوق القانون. رغم أن المساحة المقامة عليها المبنيان لا تزيد علي 120 مترا حسب ما نشرته الصحف. أي مساحة شقة متوسطة.. لكنه الرمز كما قلت. *** في القضية نقطتان جوهريتان لابد من الالتفات إليهما.. * النقطة الأولي هي: كيف نمنع الاستيلاء علي أراضي الدولة من المنبع؟! كيف نضع حدا لهذه الظاهرة بصورة نهائية أو شبه نهائية؟! إن الاستيلاء علي أراضي الدولة. كما قلت. عملية مستمرة. وتحدث يوميا.. نحن نواجه الظاهرة اليوم ونزيل ما نراه من تعديات. ونسترد ما تم اغتصابه من مساحات.. لكن.. ما الذي وضعناه أو سوف نضعه من ضمانات لعدم تكرار الظاهرة؟! نخطئ لو تصورنا أن الناس سيخيفها منظور البلدوزرات وهي تهدم المباني وتأتي بعاليها واطيها كما يقولون. وستمتنع من تلقاء نفسها عن الاقتراب من أي أرض ملك الدولة. هل لدينا تشريع يواجه هذه الظاهرة؟ هل نحتاج لتشريع يضع عقوبة مغلظة وإضافية لمغتصب أراضي الدولة غير استعادتها منه؟! هذا أمر يجب أن نفكر فيه للحد علي الأقل من تكرار الظاهرة مستقبلا. *** * النقطة الثانية هي؟! ما الذي ستفعله الدولة بما قامت باسترداده حتي الآن من مساحات؟! نقول إن هذه أرض المصريين ويجب أن تعود إليهم.. حسنا.. هل فكرنا كيف؟! هل أعددنا خططا لكيفية إعادة استغلال واستثمار هذه المساحات الشاسعة من الأرض لصالح المصريين؟! هل هناك مشروعات بديلة جاهزة؟! هل هناك "منفعة عامة" ستحول هذه المساحات أو بعضها إليها؟! هل ستدرج هذه المساحات ضمن خطط التنمية؟! وما الضمانات ألا تتحول هذه المساحات مستقبلا من خدمة "قلة" من المغتصبين. إلي خدمة "شلة" من المستفيدين ولا تعود بشيء علي الشعب؟! إن الإعلان عما تم استرداده من مساحات يجب أن يواكبه أو يتبعه إعلان مماثل عن خطط الدولة لاستثمار هذه المساحات في مشروعات إنتاجية وخدمية تؤول عوائدها لجموع الشعب. هنا فقط لا تكون الرسالة المستهدفة قد وصلت. بل يكون الهدف النهائي للعملية أيضا قد تحقق. بلد علاوات علاوة دورية.. علاوة خاصة.. علاوة غلاء.. علاوة معاشات.. أحمدك يا رب. تحولنا من بلد شهادات. إلي بلد علاوات. لا أستكثر ذلك علي الناس.. فالوضع الاقتصادي صعب.. والجزء الأكبر من صعوبته يتحمله أصحاب الدخول الأقل. والناس محاصرون بين دخل محدود. وارتفاع أسعار غير محدود. ولا توجد أمامهم حلول. وهذا ما ينذر بتأثيرات سلبية علي سلوكيات الأفراد وتماسك الأسر. وقد كتبت من قبل أن الحكومة حين تواجه نقصا في الموارد. تلجأ للاقتراض. وتجد من تقترض منه سواء في الداخل. أو في الخارج حيث مؤسسات التمويل الدولية المختلفة. لكن المواطن حين يواجه هذا النقص في موارده لا يجد من يقرضه. ولم يفكر أحد في مصر في هذه القضية. رغم أن مؤسسات الأقراض موجودة في أغني الدول الرأسمالية. ومتنوعة. في أمريكا هناك مؤسسات تقرض من يحتاج لشراء مسكن. ومؤسسات تقرض من يحتاج لشراء سيارة. ومؤسسات تقدم قروضا للطلبة لاستكمال تعليمهم يسددونها بعد التخرج والحصول علي عمل. صحيح أن هناك درجة مخاطر في هذه القروض ممثلة في عجز الكثيرين من المقترضين عن السداد.. وقد كانت القروض العقارية مثلا أحد أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 التي بدأت في أمريكا. لكن في النهاية مازالت مؤسسات الإقراض قائمة ومستمرة في عملها مع وضع ضمانات أفضل. ونحن لم نفكر في ذلك بعد. ولذلك فالبديل هو الدعم المباشر من الدولة في صورة علاوات للعاملين لزيادة دخولهم. ولا أعتقد أن الحكومة الحالية. أو أي حكومة أخري يمكن أن تفعل أكثر مما فعلته. وراعت فيه جميع فئات المجتمع الأكثر احتياجا. بقي واجبان. أحدهما علي الحكومة. وهو مزيد من إجراءات السيطرة علي الأسعار في الأسواق. والآخر علينا كمواطنين عاملين كل في موقعه وهو زيادة الإنتاج. نريد أن نتحول إلي بلد عمل وعرق وإنتاج يومي.. لا بلد.. إجازات.