كان مساء يوم الخميس 27 أبريل في مدينة الإسماعيلية هو موعد مع السعادة والفرحة للدكتورة إسراء أول طبيبة أسنان في مصر تتغلب علي الصمم وتتمكن من التفوق وتحقيق حلمها في الحياة. والبداية كانت في اتصال هاتفي من الآنسة بسمة من البرنامج الرئاسي للشباب تدعو الدكتورة إسراء لحضور جلسات مؤتمر الشباب بالإسماعيلية. وذهبت إسراء دون أن تعلم أنها دعوة رئاسية لتكريمها علي سنوات الإرادة والتحدي والمثابرة التي مرت بها. ووقفت إسراء أمام الرئيس الذي كان حريصاً علي أن يصفق لها بحرارة وهي تتوجه إليه لتتسلم شهادة التقدير الرئاسية. وتقول إسراء: لقدكانت اللحظات الأهم في حياتي.. وهي لحظات الفخار والسعادة.. فقد تحقق النجاح واكتمل الحلم. وكان تكريم الرئيس رسالة وهو دعوة لكل المجتمع للاهتمام بأصحاب الحالات الخاصة وباحتضانهم وتقديرهم. *** وكان الفنان القدير حسين فهمي أول من تحرك من بين حضور حفل التكريم ليترك مقعده ويتجه إلي حيث تجلس الدكتورة إسراء منحنياً لها ومعرباً عن تقديره واحترامه لمسيرة كفاحها ونجاحها. وتقول إسراء: كانت هناك مشاعر دافئة من الجميع. بدأت من ضباط الأمن الرئاسي علي بوابات الفندق الذين أفسحوا لها الطريق ورفعوا قبعاتهم تحية لها. مروراً بالمشاركين في المؤتمر وانتهاء بتكريم الرئيس الذي منحني الإحساس أن المجتمع كله قد تغير وأن هناك نظرة إنسانية حضارية مختلفة تنعكس علي الجميع. ولكن ما هي حكاية إسراء التي كرمها الرئيس والتي بثت القنوات الفضائية التليفزيونية العالمية برنامجاً خاصاً عنها. لقد ولدت إسراء بضعف شديد في العصب السمعي تطور إلي فقدان كامل في السمع. وكان ممكناً أن تكتفي أسرتها بتعليمها لغة الإشارة والحاقها بالمدارس المتخصصة في ذلك. ولكن القدر كان رحيماً وعطوفاً علي إسراء التي التحقت بالمدارس العادية واعتمدت علي التعلم عن طريق قراءة الشفاة.. وحرصت علي المواظبة علي حضور جلسات للتخاطب علي مدار سنوات وسنوات لكي تتعلم القدرة علي النطق والحديث بعيداً عن استخدام الإشارات المألوفة. *** وعاماً بعد عام تعبر إسراء مرحلة جديدة في رحلتها التعليمية وتفتح أبواباً جديدة للأمل.. وتثبت أن إرادة النجاح لا تعرف المستحيل وأن الإعاقة قد تكون دافعاً وليست عائقاً. وتفوقت إسراء في الثانوية العامة لتختار دراسة طب الأسنان.. فالفتاة الطموحة تريد الأفضل وتبحث عن التحدي. وتساءلت أسرتها.. وهل تستطيع.. هل ستستطيع استيعاب دراسة طب الأسنان وهل ستحقق المعجزة؟! وتقترب المعجزة بنجاح بعد نجاح.. وبعام بعد عام.. وإسراء التي أبهرت أساتذتها بقدرتها علي الاستيعاب والمواصلة تصبح أول طبيبة صماء في مصر والعالم العربي. وللحلم بقية. فقد أصبح لإسراء عيادتها الخاصة للأسنان وزبائنها الذين يفضلونها عن غيرها لأنهم يشعرون معها بالثقة والألفة. أتت قناة البي. بي. سي البريطانية تسأل.. هل توجد فعلاً فتاة مصرية صماء تغلبت علي الإعاقة وأصبحت طبيبة أسنان. والتقوا معها.. ذهبوا إلي عيادتها وقاموا بتصويرها وبث برنامج عنها تابعه كل النشطاء علي مواقع التواصل الاجتماعي ونشرت تفاصيله مختلف المواقع الالكترونية. وكان الجميع في سباق مع النشر والتركيز علي قصة إسراء كمصدر للإلهام لغيرها لرفض اليأس والإيمان بالله وبمخزون الطاقة الكامن داخل النفس البشرية. وتحركت الأممالمتحدة وأرسلت إلي إسراء تدعوها للتحدث عن تجربتها أمام برنامج خاص للأمم المتحدة بعنوان "لن نترك أحداً خلفنا".. وهو برنامج للاهتمام بالتنمية البشرية والإنسانية للجميع. حيث سيعقد أولي جلساته بالأممالمتحدة في الخامس عشر من مايو القادم. *** وسوف تذهب إسراء لتحدث.. فتاة مصرية لم تستسلم للظروف.. ودافعت عن حقها في الحياة وأثبتت أنه لا مستحيل أمام الثقة والإصرار وأن الله سبحانه وتعالي يكافيء كل مجتهد. وإسراء التي خضعت لعملية جراحية قبل سنوات لزراعة القوقعة وهي تركيب سماعة الكترونية بالأذن سوف تحمل معها رسالة مصر الجديدة للعالم.. بأن مصر تتغير وأن هناك اهتماماً متزايداً الآن برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.. وأن المجتمع كله يتعامل معهم الآن بشكل مختلف وبفكر جديد. *** وبقي أن استسمحكم في أنني قد كتبت كل هذه التفاصيل عن رحلة الدكتورة إسراء وأسهبت في الحديث عنها دون غيرها. فقد أردت أن تشاركوني الفرحة.. وأن تعيشوا معي لحظات من السعادة.. فإسراء هي ابنتي.. وهي شعاع النور الذي أضاء سنوات حياتي.. وهي الخير الذي بعثه المولي سبحانه وتعالي لي وهي كل الحياة. والحمد.. كل الحمد لرب السموات والأرض الذي منحنا القوة علي أن نعبر سنوات اليأس والقلق لكي يتحقق الحلم الذي كنا نراه مستحيلاً فإذا به وقد أصبح حقيقة في سنوات طويلة تبدو لنا الآن وكأنها غمضة عين. ويا سيادة الرئيس.. إن كلمات الشكر لا تكفي.. وليرعاك الله ويحفظك.