** لا أدري إلي متي يظل هذا الانفصام بين ما نعلنه من تصريحات.. وبين حقائق الواقع علي الأرض. ** إننا لا نمل من الحديث عن الاستثمار.. وحتمية العمل الجاد لجذب الاستثمارات الأجنبية وتدفقها إلي مصر.. وحق مصر بموقعها الاستراتيجي في أن تحصل علي نسبة أعلي من كعكة الاستثمارات العالمية. ** لا نمل من الحديث عن تيسيرات وتسهيلات.. ولو جمعنا هذه الأحاديث والتصريحات لاستطعنا بناء أهرامات عصرية حديثة تفوق في حجمها وطولها وعرضها أهرامات الجيزة وسقارة. ** وأصبح الحديث عن الاستثمار والمستثمرين نوعاًَ من المفاخرة والمتاجرة.. والوجاهة.. فيما يكشف الواقع حقائق مؤلمة. ** إننا لا نزال نعيش حياة الجزر المنعزلة.. وكأنه لا حكومة.. ولا مجلس وزراء ولا مجلس محافظين.. ولا يحزنون!! ** لن أتحدث عما تمتليء به صدور الكثيرين من رجال الأعمال والمستثمرين.. ولكني سوف استند إلي حقائق عايشتها الدكتورة سحرنصر "وزيرة الاستثمار" الجديدة والتعاون الدولي.. خلال جولتها الأخيرة ولقاءاتها بمستثمري أسيوط وسوهاج وقنا والأقصر. ** كيف يمكن تصور ونحن نتحدث عن الصعيد واستثماره وتنميته وفرص العمل فيه.. أن تظل مناطقه الصناعية إما صحراء جرداء أو هياكل "طوبية" تعلن يوم ولادتها وبنائها أو صروح هيكلية خربها الروتين والبيروقراطية وأساطين الفساد في المحليات وبعض مكاتب الاستثمار بالمحافظات ناهيك عن الضرائب العامة والعقارية والهوائية والمائية والكهربية.. إلخ. ** كيف نتصوررئيساً يعطي أوامره وتوجيهاته للحكومة "كل أعضاء الحكومة وكبار مسئوليها وصغارهم" بضرورة فتح آفاق الاستثمار.. والابتعاد عن الأيدي المرتعشة والجرأة في اتخاذ القرارات.. ثم نفاجأ بتعقيدات تجبر المستثمرين الكبار والصغار علي غلق مصانعهم وتسريح عمالهم.. وما يحققه ذلك من انخفاض في انتاج عام نتمني مضاعفته وفجوة بين الاستيراد والتصدير نعمل علي تضييقها. ** كيف نتصور 20 ألف جنيه رسوماً لاستخراج سجل تجاري و30 ألف جنيه رسوماً لتوصيل المياه والكهرباء.. وثلث تكلفة مصنع لتلبية متطلبات الموافقة اللازمة من "الحماية المدنية"؟! ** ثم كيف نتصور قرضاً قيمته 600 ألف جنيه يتطلب الحصول عليه لأحد المصانع الجري "10 شهور" كاملة كعب داير حتي يرضي بنك التنمية الزراعية أو أي بنك آخر اقراض هذا المبلغ؟! ** لقد رصدت الدولة 200 مليار جنيه للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بمصر و500 مليون جنيه لتنمية المناطق الصناعية بجنوب الصعيد.. وأخشي ما أخشاه أن تمضي الأيام والسنون وتظل هذه الملايين والمليارات علي حالها متحصنة بالجبال والسدود والأخاديد التي بناها أساطين البيروقراطية وفقهاء الروتين وعبدة اللوائح والفساد. ** إن جولة الوزيرة سحر نصر.. وما استمعت إليه يستحق أن يكون محوراً لخطة شاملة تستهدف تطهير كل دواوين الحكومة المتصلة بالاستثمار والمستثمرين من كل عبدة الروتين.. ومدمني الفساد والبيروقراطية والتعقيدات وأن تبدأ الدكتورة سحر نصر بوزارتها وهيئة الاستثمار فيها ومكاتبها بالمحافظات وتنقية هذه المكاتب سواء التابعون للوزارة أو المحافظات.. وأن يتحول هذا النهج إلي عمل ممنهج ومنظم لوزارة شريف إسماعيل في سائر القطاعات والمجالات المرتبطة بالاستثمار في الضرائب والجمارك.. في المياه والكهرباء والصرف الصحي.. في التراخيص والأمن الصناعي والحماية المدنية.. إلخ. ** قناعتي أن من يعيق تدفق الاستثمارات أخطر علي مصر من إرهابيي داعش وسيناء. ** إن الاتجاه نحو تنقية حزمة القوانين المرتبطة بالاستثمار لا تكفي وحدها وإنما الأجدر والأهم والأخطر والأجدي أن نتحول بقوة نحو تطهير الدواوين المرتبطة بالاستثمار من كل أعداء الاستثمار وأساطين الفساد والبيروقراطية.. فإنهم الأخطر.. والأولي بالاجتثاث والتطهير.