تجمعنا في نقابة الصحفيين أول أمس.. وكان الهدف إنقاذ مهنة واسترجاع نقابة.. وانتخاب "نقيب"! وكان الحضور مقنعاً. وشيوخ المهنة إلي جانب شبابها في صورة رائعة أقبلوا علي التصويت في أجواء اتسمت بالرقي وأدب الاختلاف والحوار. وكنا علي ثقة من أنه يوم التغيير.. وأن الجماعة الصحفية في هذا اليوم سوف تقرر بإرادتها الحرة مصير نقابتها ورؤيتها المستقبلية لمسيرتها. ووقف المرشح عبدالمحسن سلامة حتي اللحظات الأخيرة يشرح وينفي كماً هائلاً من شائعات اللحظات الأخيرة لما قبل التصويت ويؤكد تعهده بكل ما جاء في برنامجه الانتخابي الذي يستهدف تحسين أحوال الصحفيين وإنقاذ المهنة. ووقف منافسه يحيي قلاش محاطاً بكوكبة من المخلصين له ومن الذين يلتفون حوله دائماً في كل المناسبات حباً له وإخلاصاً لرؤية سياسية يمثلها وأفكار يؤمنون بها وأهداف أيدلوجية يتمسكون بها تاريخياً وإلي الأبد. وكنا هناك نستمع.. ونتأمل ونراقب ونقرر.. *** وكان القرار.. عبدالمحسن سلامة نقيباً جديداً للصحفيين. كما كانت إرادة التغيير مستمرة في استبدال الوجوه القديمة بعناصر جديدة تحمل أفكاراً مختلفة ورؤية أكثر واقعية لنقابة أكثر مهنية وحرفية. وبفوز عبدالمحسن سلامة فإن التحديات التي تنتظره لن تتيح له فرصة الاحتفال بكونه قد أصبح نقيباً.. فالمهنة في خطر.. ومستقبلها يواجه الكثير من المخاوف والعقبات.. وحلول الإنقاذ صعبة ولكنها ليست مستحيلة إذا ما تمت في أجواء من التوافق والتفاهم ومساندة النقيب الجديد. وأول خطوات الإصلاح والإنقاذ تتمثل في إعادة أجواء الثقة والتفاهم والحوار بين النقابة ومؤسسات الدولة والرأي العام. فقد شهدت المرحلة السابقة تباعداً وتعارضاً في المواقف بين الدولة والنقابة علي خلفية بعض الأزمات التي عزلت الكيان النقابي عن أهدافه المهنية وأدخلته في مشاكل ومتاهات سياسية وقضائية. وكانت أزمات النقابة وفشلها في إدارتها سبباً أيضاً في مساحة من التباعد بين الصحافة والرأي العام الذي لم يعد مؤيداً أو مسانداً أو ظهيراً قوياً للصحافة في قضاياها ومواقفها لأن بعض النقابيين والصحفيين اتخذوا من المواقف المتعالية ما يرسل برسائل خاطئة كما لو كانوا فوق القانون أو علي "رأسهم ريشة". وتحسين وتوضيح الصورة وخلق أجواء الثقة هو ما سيمكن النقيب عبدالمحسن من أن يكون قادراً علي المضي في خطوات إنقاذ المهنة وتحسين أوضاعها. *** ونتحدث في ذلك بكل الصراحة والوضوح عن أوضاع الصحفيين المادية وحيث مازال البعض يعتقد أن أجور ومرتبات الصحفيين تضعهم بين صفوف الفئات الممتازة والمستثنا..! وحقيقة الأمر أن مرتبات الصحفيين شهدت تدنياً هائلاً لا يتوافق مع احتياجات المعيشة ولا تأمين الصحفي في يومه وغده وحتي قوت يومه مما يجعله هدفاً سهلاً لكل أنواع الإغراءات وبما يخرج به عن إطار الضمير الأخلاقي والالتزام بشرف وروح المهنة. ويعاني شباب الصحفيين من أجور هزيلة ومكافآت معدومة تجعلهم في صراع مع الحياة وفي بحث مستمر عن فرصة عمل ثانية وثالثة لكي يتمكنوا من الصمود والاستمرار. وتزداد المشكلة تفاقماً بتراجع موارد المؤسسات الصحفية نتيجة لانخفاض توزيع الصحف وتوجه المعلنين إلي وسائل إعلامية أخري أكثر انتشاراً. ولم تجد الصحافة الورقية حتي الآن الوصفة السحرية التي تمكنها من التجديد والمنافسة والعودة إلي جماهيرتها وانتشارها وتوزيعها في مرحلة اختفت فيها أيضا الكفاءات وابتعد أصحاب الخبرة وتصدر المشهد مجموعة من الهواة الذين يبتعدون كثيراً عن عبقرية الإدارة وعن إبداع المهنة وحرفيتها. ونقولها بكل الصراحة والأمانة بأنه لولا تدخل الدولة ولولا الدعم السخي للمؤسسات الصحفية ولنقابة الصحفيين. لكانت الكثير من المؤسسات الصحفية قد أغلقت أبوابها.. ولكان عدد كبير من الصحفيين قد أصبح بلا صحيفة.. وبلا مرتب.. وبلا حياة..! *** ويدفعنا ذلك إلي أن ندعو لمؤتمر عام للصحافة المصرية يتبناه النقيب الجديد ويدعو إليه خبرات وقامات وأساتذة الصحافة للخروج بخارطة طريق للمهنة تحدد أولوياتها.. وطرق إداراتها ومعايير اختيار قياداتها.. وكيفية تحويلها إلي صناعة إعلامية متكاملة قادرة علي استغلال طاقات شبابها وخبرات شيوخها لكي تظل الصحافة ضمير الأمة الحي وتتمكن من الوفاء برسالتها التنويرية والثقافية والإعلامية وسنداً حقيقياً لمسيرة دولة جديدة تحتاج إلي إعلام للحقيقة وإعلام للوعي وإعلام يساعد في بناء مفاهيم جديدة لدولة تحتاج إلي العقول التي تمثل ثروتها وخط الدفاع الأول عن أمنها واستقرارها. *** والحديث ممتد.. والتهنئة واجبة للأخ والزميل والصديق يحيي قلاش النقيب السابق والذي خاض معركته الانتخابية بشرف واحترام ورقي يعكس معدنه النقابي الرفيع ومكانته التي اكتسبها كأحد الذين تولوا أمور النقابة واجتهدوا بكل قدراتهم وإمكانياتهم علي الحفاظ عليها. وسيظل قلاش نقابياً له تاريخه ومسيرته التي لا يمكن إنكارها حتي وإن اختلفنا كثيراً مع مواقفه ومع طريقة معالجته للأزمات.. وعلي تردده في تحديد وتوجيه مسار النقابة في المواقف الصعبة التي كان فيها صوت التشدد والتطرف عالياً فوق صوت الحكمة والعقل. إن قلاش الذي واجه ضغوطاً عديدة في الكثير من الأزمات وانعكست علي موقف الجماعة الصحفية منه في حاجة الآن إلي استراحة محارب لإعادة التقييم والمراجعة ولكنه سيظل دائماً نقابياً له دوره ومكانته وله كل التقدير علي مجهوداته والفترة التي قاد فيها نقابة هي الأهم والأخطر في مصر.