وبدأ انتشار المقاهي بمصر لفئات وطوائف ومهن معينة يعرفون بعضهم البعض ويتواعدون بهذا المقهي فكان هناك مقاه للأفندية وأصحاب الطرابيش من الموظفين وأخري لأصحاب المهن والحرف المختلفة كالنجارين والعاملين بالمعمار وغيرها ويذكر المستشرق الانجليزي إدوارد لين في كتابه المصريون المحدثون أن القاهرة في مطلع القرن التاسع عشر كان بها ما يقرب من مائة مقهي. وكان للمقاهي الشعبية في مصر دورها في النشاط السياسي والثقافي وتحولت لرموز في التاريخ فاشتهرت المقاهي بشهرة مرتاديها في مجالات الأدب والفن والسياسة فقد شهد مقهي "متاتيا" الخطاب الأول للمصلح الاجتماعي والسياسي والديني جمال الدين الأفغاني وفيه تأسس أول حزب مصري هو الحزب الوطني الحر كما ارتاده الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وأحمد شوقي وعباس العقاد ويعتبر مقهي الحرية الذي انشيء عام 1936 وهو مكان منزل الزعيم أحمد عرابي بشارع البستان في باب اللوق أحد المقاهي الذي أخذ طابعاً مختلفاً وكان من أشهر رواده الضباط الأحرار. أما مقهي ريش الذي انشيء عام 1908 شاهد في زمانه علي اجتماعات زعماء ثورة 1919 وذكر المؤلف عبدالرحمن الشافعي في كتابه تاريخ مصر القومي أن المنشورات المطالبة بالاستقلال خرجت من مقهي ريس كما كان مقرا لاجتماعات الزعيم جمال عبدالناصر والضباط الأحرار للتخطيط لثورة 1952م كما كان من أشهر رواده قحطان الشعبي أول رئيس للجمهورية اليمنية عام 1967 وانطلقت من المقهي تظاهرات 1972 التي قادها الأديب يوسف إدريس وعبدالوهاب البياتي وسليمان فياض احتجاجا علي اغتيال الكاتب الفلسطيني غسان الكنفاني علي يد الموساد كما كان للمقهي نفسه دور في ثورتي 25 يناير 1102 و30 يونيو 0132 فقد نظم المقهي وقفة احتجاجية علي دستور .2012 ومن أشهر مقاهي القاهرة مقهي الفيشاوي الذي انشيء عام 1797 وهو ملتقي رواد الفن والثقافة مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده فضلا عن كونه معقلا للأدباء والمثقفين والشعراء أمثال نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس. وشهدت مقاهي وسط البلد وخاصة الأزبكية أبرز الأحداث السياسية ولعبت دوراً في الثقافة المصرية فكانت تجمعاً لكل الفنون وتبادل الحوارات بين المثقفين ومولد الألحان عند المطربين وكذلك الشعراء وكبار الكتاب فكان مقهي علي بابا بميدان التحرير هي المفضلة عند الأديب العالمي نجيب محفوظ كما سميت بعض المقاهي بأسماء أصحابها كالفيشاوي وريكس. ويري الدكتور تامر العسكري أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ أن المقاهي كانت جزءاً من حياة القاهرة منذ أن نشأت في عصر الخلفاء الفاطميين بداية من القرن السادس عشر الميلادي. وأن أول من أدخل القهوة لمصر هو أبوبكر بن عبدالله المعروف بالعيدروسي جاء مصر عام 905هجرية وكانت المقاهي عبارة عن واجهة خشبية ومصطبة من الحجر يفرش فوقها الحصير ويبلغ ارتفاعها قدمين أو ثلاثة وعرضها كذلك وفي داخل المقهي مقاعد متشابهة علي الجانبين وفي كتاب وصف مصر ذكر أن بها ألف مقهي بخلاف مقاهي مصر القديمة وبولاق حيث ان من مصر القديمة 50 مقهي أما مقاهي بولاق وصلت .100 ويضيف العسكري أنه خلال العصر العثماني كانت المقاهي مقر للسيرة الشعبية والملاحم من القصاصين الذين يحضرهم أصحاب المقاهي وكان بعضهم يعرف باسم الهلالية لتخصصهم في سيرة أبوزيد الهلالي والظاهرية نسبة للظاهر بيبرس. كما انتشرت المقاهي في العشرينيات والثلاثينيات في القاهرة منها مقهي نوبار الذي توجد به مقهي المالية ومقهي السنترال بميدان الأوبرا واسمه كان كازينو الأوبرا ويعقد به ندوات نجيب محفوظ كل جمعة وفي شارع محمد علي مقهي التجارة الذي يزيد عمره علي 120 عاماً ومعظم رواده من العاملين بالفرق الموسيقية وكذلك مقهي الكتب خانة نهاية شارع محمد علي وكان من رواده حافظ ابراهيم والشيخ عبدالعزيز البشري والشيخ حسن الآلاتي.