سعي د. سيد ضيف الله الباحث والناقد الجاد منذ بروز صوته النقدي إلي تأسيس حالة نقدية علمية ومنهجية تبتعد عن التناول السطحي للنصوص الإبداعية . أجمع علي شفافيته وموضوعيته وبعده عن المجاملات والشللية المبدعون والمثقفون . شغله شعر العامية الذي تجاهلته الجامعة وظلمه الأكاديميون . فحصل علي الدكتوراه في بحثه ¢صورة الشعب بين الشاعر والرئيس¢ وهي الرسالة التي اشتغل فيها علي منجز فؤاد حداد . وحصل بها بعد ذلك علي جائزة ساويرس في النقد . يحاضر ضيف الله في الجامعة الأمريكية . بعد فترة قضاها محاضرا للأدب العربي في أمريكا بعد أن حرمت الجامعات المصرية نفسها من جهده طواعية . حلم طويلا بتأسيس مركز للدراسات والأبحاث يهتم بالدراسات الثقافية وسعي إلي تنفيذه بعد الثورة لكنه في حواره معنا أكد عدوله عن الفكرة نهائيا وانشغاله بأبحاثه ومشاريعه الخاصة . * بداية ما هو تقييمك للمشهد النقدي ودور النقد الأدبي في استيعاب المشهد الإبداعي؟ إجابة هذا السؤال تغري بالوقوع في مصيدة "مع أو ضد"» وأنا أحاول دائمًا ألا أكون سطحيًا قدر الإمكان!! فمن السطحية أن أهاجم العبث أو أطالب العابثين بأن يحترموا المنطق» فمن العبث أن أتوقع أن نصل يوما ما إلي مشهد نقدي جدير بالاعتبار ولا يوجد مهنة اسمها النقد !! يكفي أن تنظر إلي النقاد ومصادر دخولهم سواء داخل الجامعة أو خارجها!! * هل تقصد مثلا أنه لا يوجد نقاد في مصر الآن ؟ في مصر مثلا لا يوجد سوي أربعة أو خمسة نقاد كان النقد مصدر ثرائهم وثراء أحفادهم أما جل النقاد فهم إما أنهم يحاولون زيادة رواتبهم الجامعية الهزيلة عبر السعي للكتابة في الصحافة الثقافية العربية وبالتالي السعي لامتلاك القدرة علي تخفيف الخطاب النقدي بل تسطيحه لينال رضا مراسل الجريدة وإما أنهم ساعون للحضور في الصحافة المصرية المجانية من أجل إثبات حضورهم في دفتر حضور المشهد الثقافي المؤسسي والخاص وبالتالي هؤلاء عليهم امتلاك القدرة علي انتقاء النصوص التي تقربهم لأهدافهم في أسرع وقت!! * وهل هناك فرق في نظرك بين حال الناقد الأكاديمي وغيره ممن يمارسون النقد عبر الثقافة الحرة لا سيما المبدعين منهم ؟ أنا هنا أتحدث عن النقاد وليس عن مُدرسي الأدب في الجامعات المصرية والعربية الذين تشغلهم الترقيات العلمية وسبل الحصول عليها عن المشهد الأدبي برمته ! ولا أستثني منهم إلا عددا قليلا ممن استطاعوا الحفاظ علي شخصيتهم النقدية رغم عبثية المشهد النقدي!! وبالتالي فإذا كان ما شهده العالم من وسائل اتصال كونية حديثة ومتاحة للجميع قد سلب الناقد التقليدي سلطته الرمزية بل وأجبره علي تغيير لغته النقدية بتغير الجمهور المستهدف فإن ما شهده العالم العربي بالإضافة لذلك من حركة تسلف ضربت أعماق الإنسان العربي جعل النقد سلعة غير مرغوب فيها وجعل الناقد مندوب مبيعات فاشل بعد أن كان هو الخبير المثمن للنصوص!! * وهل للانفجار الروائي الحاصل دور في ذلك الارتداد الثقافي والنقدي ؟ بكل تأكيد فانفجار المشهد الروائي الذي هو في جوهره مرتبط بتغير مفهوم الكتابة الإبداعية ذاتها والهدف منها أحد أسباب ذلك الارتداد بالإضافة لأسباب أخري . ويكفي أن نتخيل كيف يمكن لمسابقة عربية كبري للرواية شكلت لجنة تحكيم من نقاد لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة ليقرءوا في غضون شهرين حوالي خمسمائة رواية ويختاروا منها الرواية الفائزة!! ولعل من الأسباب أيضا انحدار المستوي المعرفي والأكاديمي لأقسام تدريس الأدب في مصر. بل في الجامعات العربية إلي حد كبير لأن هذه الأقسام جزء من كل! * كيف تري الدعم غير المحدود من المنح والجوائز للإبداع لاسيما الرواية مقابل دعم متواضع للنقد ؟ والحديث عن جوائز الإبداع المتزايدة يجرنا للحديث عن جوائز النقد» وأنا لا أعارض وجود جائزة لأي فرع من فروع الكتابة بل أشجع علي ذلك ولكني أعارض أن تمنح الجوائز بناء علي أسس قبلية أو شللية لأن ذلك هو ما يفسد اللعبة!! ويبدو أن المشكلة ليس في قلة جوائز النقد وإنما في وجود النقد ذاته!! فضلاً عن النقد الجدير بجائزة! لأن الإنتاج النقدي في غالبه إما أكاديمي لا يغري مانحي الجوائز وإما مقالات مجمعة من الصحافة الثقافية!! ولهذا أدعو مانحي الجوائز لتقديم منح بحثية للنقاد لإتمام مشاريع نقدية تثري المشهد النقدي العربي وليس جائزة تمنح لجبر الخواطر!! وبدون وجود مثل هذه المنح البحثية سوف يتسابق النقاد علي جبر خواطر بعضهم البعض أو التنافس علي لجان التحكيم لجوائز الإبداع لجبر خواطر المبدعين!! وسوف تستمر نظرة الكثير من المبدعين للناقد علي أنه مروّج سلعة عليه أن يجيد تقديم الخطاب الترويجي في الصحافة الثقافية!! * حصلت علي جائزة ساويرس في النقد فماذا أضافت لك كناقد ؟ رغم حصولي علي جائزة ساويرس العام الماضي في النقد الأدبي من لجنة تحكيم لكل عضو فيها اعتباره في المشهد النقدي» فإنني أقول بكل صراحة لم أستفد من جائزة ساويرس سوي الاستفادة المادية» فكتابي الفائز بالجائزة ¢صورة الشعب بين الشاعر والرئيس¢ الصادر عن كتب خان. لم يطبع منه في طبعته الأولي سوي خمسمائة نسخة وفي انتظار طبعة ثانية لن تزيد عن هذا الرقم!! هذا رغم أن عدد أصدقائي علي الفيس بوك يفوق أضعاف ذلك. ولا أظن أن ناقدا ممن كانوا يتنافسون معي علي الجائزة قد سعي لقراءة الكتاب. هذا فضلاً عن الأدباء الذين يشكون من عدم قدرة النقد علي استيعاب المشهد الإبداعي» فهم لا يقرءون إلا لمن يمدح نصوصهم!! * وكيف تري عملية طباعة ونشر كتب النقد بعد تجارب مختلفة خضتها من قبل ؟ أظن أنني من أكثر أبناء جيلي من النقاد حظًا. فكتبي كلها طبعت أكثر من طبعة. لكن هذا يجب ألا ينسيني للحظة واحدة أن مجموع قرائي لا يزيد عن خمسة آلاف شخص في بلدي تعداد سكانه قارب علي المائة مليون نسمة!! * ثورتان قامتا في مصر . ماذا أضافتا لك كناقد مهمتك اصطفاء الجمال وكشفه وانتخابه لمجتمعك ؟ كان لدي أحلام كبيرة عقب ثورة يناير 2011 منها تأسيس مركز للدراسات والأبحاث يهتم بالدراسات الثقافية بشكل عام وتأسيس دور نشر لتقديم النقد الأدبي تأليفًا وترجمة لتكون قبلة للنقاد الجادين وترحمهم من الوضع المزري للكتاب النقدي في مصر علي وجه الخصوص!! لكن أحلامي الآن أصبحت أكبر وأصعب وأكثر أنانية وهي أن أقرأ ما أحب وأن أكتب ما أريد !! * كيف تصف علاقتك بمؤسسات الدولة الثقافية ؟ عن نفسي ليس لي طموحات إدارية في أي مؤسسة ثقافية من مؤسسات الدولة ورغم ذلك فإنني غير محظوظ مع مؤسسات الدولة الثقافية والتي كان من المفترض أن تساعدني كناقد وكباحث وكمدرس للأدب وكمواطن علي التواصل مع أكبر قطاع ممكن من المصريين !! لكن هذا لم يحدث وأظنه لن يحدث!