كان بإمكان الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ اليوم الأول من توليه المسئولية أن يخرج علينا ويقول إن الحياة في البلد لونها وردي والأمور علي ما يرام. وكان بإمكانه أيضاً أن يلجأ إلي العلاج بالمسكنات لكل أزماتنا ومشاكلنا كما فعل سابقوه في الحكم. ولكنه فضل المصارحة والمواجهة علي المداهنة والهروب من المسئولية ولو علي حساب شعبيته وحب المصريين له. كان الرئيس ولا يزال صادقاً مع نفسه أولاً ومع المصريين ثانياً ولم يلجأ يوماً للطرق والأساليب الملتوية في علاج الأمور ومواجهة الأزمات علي كثرتها وصعوبتها ولعل في مقدمتها الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ألمت بالبلاد في أعقاب 25 يناير 2011 وما تلاها من أحداث ومؤامرات علي هذا البلد وتوقف شبه تام لأهم موارد الدخل فيه وفي مقدمتها السياحة مع مضاعفة الرواتب والمعاشات تقريباً وفي ظل تزايد أعداد البطالة المقنعة أو المقننة في كثير من هيئات ومؤسسات الدولة. وعندما لجأ الرئيس والحكومة إلي قرار تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه. لم يكن هناك خيار أو بديل آخر لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي كادت تؤدي إلي انهيار الدولة وسقوط مؤسساتها في ظل تكالب تجار الدولار علي جمع أكبر قدر من العملة الصعبة ورفع السعر إلي 18. 20 جنيهاً في حين كان السعر في البنوك ثابتاً عند 8 جنيهات أو أكثر بقليل وهو ما دفع المواطنين إلي الذهاب للسوق السوداء. ومنذ تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه في الثالث من شهر نوفمبر الماضي وحتي الآن دخل خزائن البنك المركزي والبنوك العاملة بمصر أكثر من 6 مليارات دولار معظمها إن لم تكن كلها من البيوت!! الشيء الآخر المهم في هذا الشأن يتمثل في عدم زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي كما ذكرت خاصة فيما يتعلق بتراجع حجم السياحة الوافدة خلال السنوات الأخيرة علاوة علي تراجع تحويلات المصريين في الخارج وما شاب ذلك من مؤامرات ومخططات للجماعة إياها من أجل تضييق الخناق علي الدولة وإحراج النظام. وفي ظل أزمة اقتصادية عالمية طاحنة أدت إلي تراجع حجم التجارة والاستثمارات وهو ما أثر سلباً علي دخل قناة السويس وكذلك تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية ليس في مصر وحدها ولكن في معظم دول المنطقة. المؤكد أن قرار تعويم الجنيه أضر كثيراً بالمصريين علي مختلف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية وأدي إلي ارتفاع جنوني في أسعار معظم السلع الأساسية والترفيهية. خاصة في ظل تراخي الحكومة في تشديد الرقابة علي الأسواق وعدم المواجهة الحاسمة لجشع التجار وكبار المحتكرين الذين ضيقوا الخناق علي المواطنين حتي في الأدوية. ومع ذلك أري أن قرار "التعويم" أو المواجهة كان الخيار الأفضل لأزمتنا الاقتصادية وبداية حقيقية للإصلاح والعبور للمستقبل وكفانا عشرات السنين من "التنويم" والمداهنة في مواجهة الأزمات وهو ما أدي إلي وصولنا لهذه الحالة المتردية علي كافة المستويات. في النهاية أتمني أن يصبر المصريون ويتحملوا مرارة الدواء من أجل تمام الشفاء إن شاء الله وأنا واثق أنهم سيفعلون ولن يتخلوا أبداً عن وطنهم مهما كانت الظروف ومهما كاد الكائدون وتآمر المتآمرون. وفي نفس الوقت أتمني من الدولة قيادة وحكومة أن تحكم قبضتها في مواجهة جشع بعض التجار والضرب بيد من حديد علي المحتكرين وتوقيع أقصي العقوبات عليهم حتي ولو تطلب الأمر إصدار المزيد من التشريعات والقوانين.