يوم الخميس الماضي.. عاش المصريون نحو 3 ساعات بمشاعر نادرة من الأمل والفرحة والفخر وهم يشاهدون مشروعات الطرق الساحرة التي شيدتها السواعد السمراء فوق النيل. و.شقتها وسط الجبال والتي تنافس المدن العالمية.. وتأكد المصريون وقتها انهم بالفعل أحفاد الفراعنة. وانهم قادرون بالفعل علي الرد علي الإرهاب الأسود ومؤامرات الأعداء وحتي مكائد الأشقاء. بالبناء والعمل.. بعد أن ترك الرئيس عبدالفتاح السيسي المكان وتوقف شريط الحلم الجميل. أفاق الكثيرون علي تساؤل صعب ومعذب بالفعل: كيف ننجح في صنع المستحيل والانجازات الصعبة وسط كل ما يواجهنا من تحديات. بدءاً مثلاً بحرب أكتوبر وانتهاء بمشروعات الطرق والاسكان الاجتماعي وغيرها. بينما نفشل ونغرق في شبر ميه أمام المشكلات الأسهل التي قد لا يحتاج بعضها أي أموال تذكر؟!! وإذا نزل المواطن بعد ذلك إلي السوق أو أقرب سوبر ماركت. ماذا سيتبقي لديه من الاحساس بالفرحة والأمل حين يصطدم بالواقع الأسود للأسعار المجنونة. وبعد أن كاد يصاب بالجنون وهو يتساءل: هل هذه نفس الحكومة التي رأي المواطن قياداتها بجانب الرئيس والتي شاركت بالفعل في هذا الانجاز مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. أم انها حكومة أخري. صماء لا تستمع لأي نصيحة أو تحذير ولا تستعد للأزمات المتوقعة وتتأخر قراراتها لتأتي غالباً بعد فوات الأوان.. حكومة مترددة. عاجزة عن مواجهة لصوصية وجشع التجار وكأن "علي رأسها بطحة"!! هذه الحكومة بدلاً من أن تجد حلاً لمعاناة ملايين المواطنين. أصبحت متخصصة في حرق دم المصريين مع كل اجتماع أو تصريح أجوف خادع عن ضبط الأسواق لأن واقع السوق ولسان حال التجار يقول للجميع: "طظ"! هذا ما وجدناه علي سبيل المثال في الاجتماع الأخير للحكومة السبت الماضي. الذي بحث أرصدة السلع الاستراتيجية مع متابعة إجراءات ضمان استقرار السوق. دون أن يقول لنا المتحدث باسمها أشرف سلطان: ما هي هذه الإجراءات وكيف تحقق بالفعل هذا الحلم الغالي؟! أيضاً ما نجده في تصريحات وزير التموين محمد علي مصيلحي الذي خرج علينا كما نشرت صحف الأربعاء الماضي . ببشري ننتظرها منذ زمن. وهي انه "تقرر تنفيذ عدة إجراءات لضبط الأسواق ومواجهة المتلاعبين ومحتكري السلع".. قلنا الحمد لله. أخيراً سنجد استجابة لتحويل التصريحات الوردية إلي واقع وإيجاد آليات حقيقية لمواجهة جشع التجار.. ولكن "يا فرحة ما تمت" لأننا وجدنا ان الإجراءات "المرعبة" لمن يسرق قوت المصريين. تشمل تنظيم حملات مكبرة علي الأسواق وإنشاء غرف مركزية وفرعية لتلقي شكاوي المواطنين.. و.. و.. وكل الكلام الجميل الذي يحبط المواطن ويسعد بالطبع تجار الجملة خاصة الذين يعلمون تماماً ان أحداً لن يمسهم أو يحاسبهم حتي إذا ضاعفوا الأسعار. ورفعوا سعر السلعة مرتين في اليوم. وجعلوا مشكلة السكر مثلاً مستمرة عنداً في الحكومة رغم آلاف الأطنان المستوردة.. وذلك ببساطة لعدم وجود أي قانون أو تسعيرة أو هامش ربح رسمي يمكن به محاسبة التاجر أو عقابه عند المخالفة.. مما يؤكد ان الحكومة ليست جادة في اتخاذ أي إجراءات حقيقية لحماية المواطنين بدليل انه رغم كل هذا الجنون. لا يريد أحد اصدار قانون لحماية المستهلك أو تشديد عقوبة محتكري السلع أو أي هامش للربح رغم تشكيل لجنة منذ زمن لدراسته!!. وإذا كان الوزير قد أعلن عن طرح نحو 3.2 مليون متر في 13 محافظة الشهر القادم لاقامة مناطق لوجيستية لتوفير السلع بأسعار مخفضة. ومنافذ تسويق للسلاسل التجارية والشركات العالمية.. إذا كان ذلك أمرا إيجابيا مع نشر هذه المنافذ بالمحافظات. فإن الوزير لم يوضح آليات تحقيق ما وعد به هو وأيضاً سلفه د. خالد حنفي عن استغلال هذه المناطق في الشراء المباشر للسلع الخضر والفاكهة من المنتجين لكسر حلقات الوسطاء وتخفيض الأسعار. وهو ما نحلم به من زمن.. ولم نعرف أيضاً متي يتراجع هذا التهافت علي تقديم التسهيلات للسلاسل التجارية بدون توازن مع منافذ الدولة بدليل عدم إنشاء مجمعات استهلاكية جديدة منذ زمن علي أمل أن تكون ذراع الدولة في ضبط حركة الأسعار بالأسواق! وإذا كنا نفتش عن أي نقطة إيجابية وسط جو الاحباط العام من أداء الحكومة. فإننا نعتبر تشكيل لجنة قومية لإدارة الأزمات والحد من الكوارث التي تضم ممثلي 80 جهة حكومية وأهلية. خطوة جيدة. تضمن كما يقول المهندس حسام الجمل رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء . وضع آليات للإنذار المبكر للأزمات والكوارث المتوقعة. ووضع خطط لمواجهتها. وهو ما نتعشم معه أن تودع الحكومة مرحلة رد الفعل والتردد واتخاذ قرارات غير مدروسة ثم التراجع عنها.. وأتصور ان تتصدي اللجنة فوراً لإدارة أهم أزمتين يعاني منهما المواطنون. الأولي. أزمة الأدوية التي فشل فيها وزير الصحة تماماً منذ 6 شهور حتي أصبحنا في انتظار كارثة توقف صناعة الدواء. وذلك كما قال د. علي عوف رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية لقناة أون. لأن المادة الفعالة التي يعتمد عليها الانتاج لا تكفي حالياً سوي 3 شهور. بينما لم تتعاقد أي شركة علي استيراد كميات جديدة حتي الآن. رغم ان وصول هذه المواد إلي مصر وبدء تشغيلها. يستغرق 3 شهور! والعجيب. ان رئيس الوزراء ترك هذا الملف للوزير حتي وجدنا "وشنا في الحيطة".. وبعد طول تخبط ومفاوضات وضغوط من الشركات. استسلم الوزير لطلباتها وقرر رفع الأسعار علي الأدوية المحلية والمستوردة مما يزيد من معاناة المواطنين. وهو ما أكد ان الحكومة قد اختارت الطريق الأسهل والأرخص بالنسبة لها. وهو أن يكون الحل من جيب المواطن المقهور أصلاً من نار الأسعار في كل السلع بدون حماية حكومية. وذلك بدلاً من الاقتراحات الأخري المطروحة كما قال د. عوف. مثل أن تتحمل الدولة بعض أعباء الصناعة من خلال دعم الطاقة والإعفاء من ضريبة القيمة المضافة وتخفيض الدولار الجمركي ليكون 10 جنيهات فقط بدلاً من أكثر من 18 جنيهاً حالياً. علي الأدوية والمواد الخام المستوردة. وذلك بما يرحم المرضي من أي زيادة جديدة في الأسعار! والأزمة أو الكارثة الثانية حالياً والتي لم تتحرك الحكومة لحلها منذ عدة أسابيع. هي ارتفاع أسعار الأسمدة ونقصها خاصة في الصعيد مما يهدد المحاصيل الشتوية وأهمها القمح. رغم ان الشركات تصرخ من ارتفاع التكلفة بعد تعويم الدولار وحساب ثمن الغاز العنصر الأساسي في هذه الصناعة. بقيمة مضاعفة مما يجعل ثمن الطن القديم وهو 1950 جنيهاً يحقق خسائر كبيرة مما يتطلب زيادة السعر إلي 3200 جنيه للطن.. وعندما "طنشت" الحكومة كالعادة. بدأت بعض الشركات في الامتناع عن تسليم الحصص المتفق عليها مع وزارة الزراعة. إلي الجمعيات الزراعية انتظاراً أو ضغطاً لرفع السعر. والاتجاه إلي التصدير بسعر نحو 5 آلاف جنيه للطن رغم ان الاتفاق يلزمها بتسليم 55% من الانتاج أولاً قبل التصدير! ومع صرخات قيادات الفلاحين في الفضائيات عما يحدث في السوق السوداء مع نقص الكميات أيضاً. اكتفي مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بنفي "شائعة" رفع أسعار السماد. بينما تركت الحكومة الملف. كما حدث مع الأدوية . لوزير الزراعة الذي تعثر مثل زميله خاصة ان كل صلاحيات الحل ليست في يده.. وآخر ما استطاع عمله هو الاتفاق مع رؤساء الشركات علي توريد الأسمدة وبالسعر القديم لمدة 12 يوماً حتي يتخذ مجلس الوزراء القرار المناسب قبل نهاية العام.. وبالتالي دخلت الأزمة التي تهدد أهم المحاصيل في لعبة العد التنازلي علي أمل أن تتحرك الحكومة لنجدة المزارعين قبل فجر 2017!! المؤكد. ان هاتين الأزمتين ونار الأسعار التي اشتعلت في كل السلع والخدمات كانت نتيجة لعدم وعي الحكومة بإجراء دراسة شاملة لتوابع قرار تعويم الجنيه قبل اصداره. وبالتالي كان من الممكن إعداد خطة لتجنب هذه التوابع أو تخفيف آثارها علي المواطنين.. وفي تصوري انه لو كانت الحكومة قد اتخذت علي الأقل قراراً بالابقاء علي سعر الدولار الجمركي عند 888 قرشاً ولفترة مؤقتة علي الأدوية مثلاً ومدخلات انتاج الأسمدة والدواجن والسلع الأساسية. لتجنبت الكثير من الأزمات الحالية. وخففت من معاناة المواطنين بعد أن أعطي قرار التعويم حجة للتجار الجشعين لرفع الأسعار إلي مستويات جنونية بدءاً من اليوم التالي وعلي كل ما تمتليء به مخازنهم دون أن يجدوا أحداً يحاسبهم علي هذا الربح الحرام.. والأغرب ان الحكومة تساهم في اشتعال الأسعار بعد أن قررت مؤخراً زيادة سعر كيلو اللحم السوداني من 60 إلي 75 جنيهاً رغم ان التعاقد القديم لمدة 3 سنوات وبأسعار ثابتة.. كما قررت رفع سعر الأرز بالمجمعات من الحبة الصغيرة من 5.4 إلي 7 جنيهات والزيت إلي 16 جنيهاً.. وعجبي! المؤكد أيضاً. انه إذا كان للمشروعات القومية دور مهم في زرع الأمل لدي المواطنين بأن مصر قادرة علي البناء والانجاز بهذا المستوي الرائع وعلي مواجهة كل ما يحيط بها من تحديات. فإن سلبيات الأداء الحكومي والتقاعس المحير عن مواجهة مافيا التجار وعدم تحويل وعود ضبط الأسواق إلي واقع يحمي قوت المواطنين. تؤدي إلي إفساد فرحة الناس بهذه الانجازات. لأن المواطن محدود أو متوسط الدخل لن يشعر بالرضا أو يودع الاحباط طالما انه لا يجد الدواء أو احتياجاته الأساسية. وإذا وجدها فإن عليه أن يدفع فاتورة باهظة لا يملكها.. وطالما ان الحكومة تعتبره "الحيطة المايلة". وتحصل علي حقها منه بالمليم من المنبع دون أن تبحث بجدية عن الحيتان المتهربين من الضرائب. ولا تستمع لمن ينصحها لوجه الله وحرصاً بكل اخلاص علي استقرار الوطن: "ارحموا الفقراء.. وكفاكم تدليلاً للأغنياء"!.