رغم استمرار العمليات الإرهابية الغادرة في محاولة يائسة للرد علي الجهود البطولية لقواتنا المسلحة لاقتلاع الإرهابيين من سيناء. الا ان الأيام الأخيرة شهدت صحوة مفاجئة من الحكومة "اللهم اجعله خير" لتحويل التصريحات والوعود المحفوظة إلي برنامج تنفيذي وخطوات ملموسة علي أرض الواقع وتؤكد من خلاله بعد انتظار طويل انها بدأت تستجيب لاقتراحات الخبراء وأصحاب الرأي المخلصين حتي لو كانت انتقاداتهم للأداء السلبي لاذعة.. وبالطبع ان تأتي متأخرا خير من ألاَّ تأتي أبدا. هذه الصحوة الايجابية نرحب بها بالطبع. رغم ان أغلبها يحمل كلمة "ولكن" أو يحتاج إلي حكمة وضمانات كافية حتي لا يتم تفريغه من مضمونه عند التنفيذ والذي نتمني أن يتم في أسرع وقت لتكذيب المثل الشعبي "يوم الحكومة بسنة".. مثلا التوجه المتأخر نحو وضع هامش ربح للسلع لمواجهة فوضي الأسواق وجشع التجار الذين لا يشبعون أبدا والذي تم تشكيل لجنة لدراسته فان الأهم بالطبع آليات وجدية التطبيق وتشديد عقوبة مخالفته. وان يتزامن كما طالب الكثيرون مرارا مع تقوية ذراع الدولة في ضبط الأسعار واجبار التجار علي تخفيضها بقانون المنافسة والعرض والطلب من خلال زيادة وتطوير المنافذ الحكومية الحالية والتعاقد المباشر مع المنتجين في الداخل والخارج وأيضا سرعة تنفيذ قرار الحكومة بإنشاء منطقة لوجستية بكل محافظة مع مركز تجاري كبير. للتعامل المباشر مع مناطق الإنتاج. أيضا قرار ترشيد وتخفيض الانفاق الحكومي بنسبة 20% وتخفيض التمثيل الخارجي 50% يجب ان يكون بداية لثورة ادارية لوقف اهدار المال العام ولك أن تتخيل مثلا ان عدد بعثاتنا الخارجية من سفارات وغيرها وصل إلي 162 بعثة في 129 دولة بما يتفوق حتي علي الولايات المتحدة!! وبالتالي لابد أن يشمل القرار وبكل جدية وسرعة كل منا يؤكد أننا دولة تواجه أزمات بلا حدود وتحتاج إلي اقتصاد حرب لا يعرف الترف وينفي المثل الشعبي "أقرع ونزهي" ولا يسمح مثلا بأن يكون في أجهزة الدولة - كما قالت مجلة روزاليوسف - نحو 73 ألف مستشار تصل رواتبهم إلي 24 مليار جنيه سنويا ولا يقبل الاسراف في سفريات الوفود واللجان الوزارية والتأخر في ضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة أو أن يبدأ أي مسئول جديد عمله بتجديد مكتبه والبحث عن سيارة جديدة رغم أسطول السيارات المستفز في كل وزارة أو أن يشتري مثلا وزير الصحة مؤخرا كما نشرت "المساء" 5 سيارات "BMW" بنحو 5 ملايين جنيه بينما يعاند في تنفيذ حكم قضائي نهائي بحصول الأطباء علي بدل عدوي آدمي بدلا من 19 جنيها شهريا! والتقشف الحكومي حتي في الدول الغنية. يعني وقف اهدار الكهرباء والماء بالمباني الحكومية والعامة التي لا تعرف الصيانة وتعميم استخدام الطاقة الشمسية علي أعمدة الإنارة بالشوارع واتخاذ قرار جريء بتحديد ساعات العمل بالمحال والمقاهي التي تسهر صباحي وكذلك استخدام صنابير الماء الذكية بدءا بالمباني الجديدة علي الأقل والتي نجدها منذ سنوات في دبي وغيرها وتعمل بحرارة اليد فقط. والتقشف أيضا كما يقول الخبير الاقتصادي محسن عادل يتطلب الاستفادة من المخزون الراكد لدي الوزارات وتوزيعه علي الوزارات التي تحتاجه بدلا من مشتريات جديدة واستكمال منظومة الحكومة الالكترونية وضبط كل معاملات المواطنين بالرقم القومي بما يساعد علي توفير النفقات والوقت والجهد في ظل النظام التقليدي وأيضا ترشيد الدعم وتحديد المستحقين بكل سهولة. وإذا كانت وزارة الكهرباء قد حققت خطوات جيدة في تعميم لمبات "الليد" الموفرة للطاقة. فإننا لا نعلم سر تأخر تطبيق الكارت الذكي للوقود. رغم ان وزير البترول يؤكد ان القطاع جاهز لذلك ولكن المشكلة للأسف وبعد حوالي عامين من الانتظار ترجع - كما يقول في حواره ل "المصري اليوم" - إلي وجود فئات لم تحصل علي الكارت مثل أصحاب التوك توك كما ان هناك فئات أخري يجري العمل علي ادخالها في المنظومة وربنا يدينا الصبر! وإذا كان الهدف هو ترشيد دعم الوقود حتي لا يتساوي صاحب السيارة الصغيرة مع المرسيدس بجانب سيارات السفارات والشركات والمدارس الأجنبية وغيرها فانني أتمني كما تفعل عدة دول استثناء أصحاب السيارات الأجرة ونقل البضائع من تخفيض الكميات المدعمة ولو في المرحلة الأولي لتطبيق المنظومة منعا لاستغلال ذلك في رفع الأسعار وزيادة معاناة المواطنين. وإذا كانت الأيام الأخيرة قد شهدت هذا التوجه الايجابي والذي تضمن أيضا دراسة تطبيق الدعم النقدي التدريجي والضرائب التصاعدية وتشديد العقوبات ضد المحتكرين بدلا من أن يكون احتكار قوت الناس واستغلالهم مجرد جنحة عقوبتها الغرامة وفي ظل ضعف جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.. وكذلك بدء مناقشة الحكومة لقانون الاستثمار الجديد بعد ولادة متعثرة من مارس 2015 بجانب بعض الأخبار المتفائلة مثل توقيع عقد مع مستثمر سعودي لإنشاء مجمع للحديد والصلب في خليج السويس باستثمارات مليار دولار وزيارة وفد أمريكي للقاهرة يضم 50 مستثمرا وإحياء قلاع الحديد والصلب للسيارات وتشغيل 450 من المصانع المغلقة علي أمل فتح مئات من المصانع الأخري. وسط هذه الخطوات الايجابية. لم أجد كلمة واحدة تؤكد لنا ان هذه الصحوة الحكومية التي مازالت وعودا ستشمل ترشيد الواردات ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي وضبط الأسواق وإنقاذ الجنيه المسكين من الغرق خاصة مع التوجه الحتمي والمرتقب للتعويم أو التخفيض للجنيه للحصول علي قرض صندوق النقد الدولي وذلك رغم ان تخفيض الواردات بنسبة لا تقل عن 25% كان من أولي الخطوات التي ضمنت نجاح برنامج انقاذ الاقتصاد والعملة المحلية في العديد من الدول المتقدمة حاليا مثل كوريا الجنوبية وماليزيا ورغم ان توفير 10 مليارات دولار علي الأقل من الواردات يزيد من قدرة البنك المركزي علي تدبير احتياجات استيراد السلع الأساسية ومواجهة ضغوط السوق الموازية للدولار. وهذا الرأي تبنته الدراسة الشاملة التي أعدها الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين حول الحلول القابلة للتنفيذ للأزمة الاقتصادية والتي طالبت بترشيد انفاق النقد الأجنبي من خلال وقف استيراد السلع الاستفزازية "9500 مليون دولار سنويا" وعدم استيراد كل ما له مثيل من الإنتاج الوطني لمدة 3 سنوات بشرط أن يكون بجودة منافسة وبكميات كافية علي أن تتدخل الدولة في تسعيرة المنتج المحلي منعا للاستغلال. وأكدت الدراسة ردا علي شماعة ان اتفاقية "الجات" وغيرها تقيدنا. ان القواعد الدولية لا تمنع فرض رسوم الاغراق والحماية أو حظر بعض الواردات لفترة معينة في ظروف الأزمة التي نمر بها حاليا.. كما أكدت ان حرية السوق لا تعني عدم التدخل لضبط الأسعار أو حماية المستهلك والصناعة الوطنية ولا تعني فتح الأسواق للواردات دون أي ضوابط. كما طالبت الدراسة رغم ان ذلك يمس أعضاءها بالعودة إلي نظام الضرائب التصاعدية حتي 30% دون المساس بأصحاب الدخول المحدودة أو المتوسطة أو فرض رسم تنمية يتراوح بين 3% و7% حسب شرائح الدخول من 5 إلي أكثر من 50مليون جنيه ولمدة 3 سنوات. والمؤكد أيضا ان ترشيد أو حظر الواردات الاستهلاكية أوما لها بديل محلي لا يكفي لأن النسبة الأكبر حاليا من الواردات نتيجة الميراث الثقيل من الفساد وإهمال الزراعة والصناعة. من المحاصيل الرئيسية مما يحتاج إلي إعادة الدورة الزراعية أو تفعيل الزراعة التعاقدية لتشجيع الفلاح علي زراعتها مع منحه عائدا مجزيا يراعي تكلفة الزراعة المتزايدة وليس كما حدث مع الأرز مما أتاح الفرصة للتجار لإغراء المزارعين بسعر أكبر بفارق وصل إلي 1000 جنيه للطن وذلك لتهريب الأرز أو تخزينه ليباع بالسعر الذي يفرضونه كما حدث العام الماضي ليؤكدوا أنهم بعد أزمة السكر أيضا أشطر من الحكومة!! والجانب الآخر لاستكمال المنظومة الغائبة لترشيد الواردات. هو العمل علي زيادة المكون المحلي في الصناعات المصرية والزام الشركات بذلك خاصة ان الكثيرين منها للأسف يعتمد علي المستلزمات المستوردة بنسبة قد تصل إلي 100% كما يحدث في بعض مصانع السيارات التي تستورد السيارة بالكامل بالدولار طبعا وتضاعف أسعار البيع. لنعيش نحن في وهم صناعة السيارات المصرية بينما تحقق المغرب مثلا قفزة كبيرة في هذا المجال وتصدر إنتاجها من الماركات العالمية لمصر التي بدأت هذه الصناعة أصلا في الستينيات! وإذا كنا نفتش عن أي بادرة تفاؤل. نجد ان بعض الشركات كما نشرت "المصري اليوم" بدأت تواجه أزمة الدولار بتدبير بدائل محلية للمدخلات المستوردة أو إقامة مصانع في مصر بالتعاون مع الشركات الأجنبية الموردة. أو إنتاج علب التعبئة ومواد التغليف محليا بدلا من استيرادها والتي كانت تمثل فضيحة لتاريخ الصناعة المصرية منذ أيام العظيم طلعت حرب.. وعقبال أعواد "خلة" الأسنان الخشبية التي نستوردها بملايين الدولارات! إذا كنا نشيد بأي خطوة ايجابية يمكن ان تخفف حالة الاحباط والتوتر التي نعيشها. فإنني أتمني أن تكون الإجراءات الأخيرة في إطار منظومة متكاملة حتي تحقق جدواها بدلا من أن نتناسي مثلا كارثة الاستيراد بنحو 90 مليار دولار بينما لا تصل الصادرات إلي 20 مليارا رغم انها المسئولة الأولي عن أزمة الدولار وجنون الأسعار وعجز الميزان التجاري. نتمني أيضا أن يكون التقشف والمعاناة والتحمل للجميع. كل حسب قدرته من خلال منظومة ضرائب عادلة لا تعرف تدليلا للقادرين وصرامة علي الموظفين وغيرهم ممن تطولهم يد الحكومة من المنبع ولا تسمح بتهرب بعض الفئات من كبار موظفي الهيئات العامة من الحد الأقصي للأجور حتي ولو بحكم قضائي نتيجة الخلل أساسا في القانون. نحلم بأن تتحول مثل هذه الإجراءات من نوايا ووعود إلي واقع في أسرع وقت. وأن تكون بداية لسياسات مختلفة في الأداء الحكومي.. سياسات تضع المواطن بالفعل في بؤرة الاهتمام ولا تسمح باستمرار أي مسئول فاشل وتحاسب كل من يخطيء أو يفسد ولا تترك كبار التجار الجشعين وغيرهم يربحون الملايين من استغلال الغلابة. دون تأجيل حتي ينسي الغلابة المشغولين بأزماتهم.. نتمني حتي مجرد البداية الجادة لأن مصر التي تواجه كل هذه التحديات. لا تملك ترف الانتظار أكثر من ذلك.