انفعلت المذيعة وبالغت في انفعالاتها وحماسها وتقمصت دوراً لا يتناسب معها ثم أطلقت تصريحاً نارياً باتهام وزيرة الاستثمار بأنها "أسوأ" وزيرة استثمار في مصر..! وعلي الجانب الآخر كان هناك مذيع آخر أو مقدم برامج حوارية يهاجم وزيراً ويصفه "بالفاشل"..! وما دام مقدمو البرامج الفضائية هم الذين يصدرون أحكام الفشل والنجاح وهم الذين يفهمون في كل شيء ولديهم دائماً الخبر اليقين فإن الأجدر بالدولة أن تسند إليهم إدارتها وترتاح من "وجع الدماغ"..! فالإعلام الذي يريد فرض وصايته ومفاهيمه الخاصة علي المجتمع خرج عن إطار المهنية والحرفية إلي الخلط ما بين العمل الإعلامي والسياسي ليفرض نموذجاً جديداً لإعلام التهييج والإثارة التي تتحول مع مرور الوقت إلي فتنة مدمرة للمجتمع كله لأنها تفقد الرأي العام الثقة في كل ما يقال وما ينفذ. * * * وصحيح أن قناة تليفزيونية فضائية سارعت إلي الاستغناء عن المذيعة التي وصفت الوزيرة "بالأسوأ" بعد حلقة واحدة من تقديمها للبرنامج في قرار حازم وسريع يستحق الإشادة ولكن القضية لم تنته عند هذا الإجراء لأن السماوات المفتوحة تبث علينا كل يوم تجاوزات ولا تتوقف عند حد. ومزايدات من إعلاميين يحاول كل واحد منهم جذب الأنظار والانتباه إلي برنامجه برفع سقف انتقاداته وتجاوزاته حتي وإن وصل الأمر للهجوم علي الدين نفسه وانتقاد الصلاة في المدارس..! ويحدث هذا لأن الإعلام أصبح بلا صاحب.. ولا مرجعية.. ولا سياسات واضحة ولا محاسبة ولا ثواب ولا عقاب. وقد بدأت المأساة منذ أن سمحنا بظهور البعض لتوجيه الشتائم والألفاظ الخارجة علي الهواء ليصبحوا بعدها نجوماً في المجتمع بدلاًمن أن يتم منعهم من الظهور الإعلامي نهائياً. والكارثة هو أنه لا يوجد من يمنع.. ومن يحاسب ومن يحرص علي أخلاقيات المجتمع ويحافظ علي رسالة الإعلام..! فلا يوجد لدينا وزير للإعلام.. ولا يوجد هيئة قومية لمتابعة الإعلام الفضائي التليفزيوني. وغرفة صناعة الإعلام التي تقوم بهذا الدور تدار من خلال رجال الأعمال ومصالحهم وتوجهاتهم.. والمجلس الأعلي للصحافة ليس له صفة أو صلة بالعمل التليفزيوني.. ولا بممارسات العمل الصحفي أيضا..! ولأن الساحة خالية فإن كل مذيع أو مقدم برنامج يخرج علينا في إطار تمثيلي مدعياً الوطنية والغيرة علي الوطن ملقياً علينا بمواعظه الخالدة بحركات بهلوانية وبالصراخ والإشارات وتحريك الحواجب وعضلات الوجه. ثم يوجه السباب واللعنات وإصابة المجتمع كله بالاكتئاب واليأس..! * * * ولأنه إعلام المصائب فإن كان أمراً مؤلماًَ حقاً أن يكون "السكر" هو الموضوع الرئيسي في كل البرامج التليفزيونية وحيث أصبح السكر قضية محورية مصيرية لهذا الوطن.. وتباري كل مقدم برامج في الحديث عن أزمة السكر وأبعادها مع أنها لم تكن في حقيقتها قضية ذات شأن.. وكان ومازال ممكنا حلها بقرار واعتمادات واغراق للسوق بالسكر لتنتهي الأزمة خلال ساعات..! والكارثة أنهم تحدثوا عن السكر بكل هذا الاهتمام والمتابعة ونسوا أن في البلد مشروعات أخري يتم تنفيذها.. وأن الدولة قد حلت علي سبيل المثال أزمة الكهرباء وحلت أزمة الغاز والسولار والبنزين وعالجت فيروس سي بالمجان وحفرت أكبر أربعة أنفاق في العالم تحت قناة السويس وتقوم ببناء مليون وحدة سكنية للقضاء علي العشوائيات ونفذت بناء أضخم وأكبر شبكة طرق في تاريخ مصر وتقوم بزراعة مليون ونصف مليون فدان ونفذت مشروع تكافل وكرامة لمليون أسرة وغير ذلك من مشروعات لم تأخذ حقها من الإعلام ولم يتم شرح جدواها الاقتصادية جيداً حتي يشعر المواطن بقيمتها وجدواها وأبعادها.. ولكنهم ركزوا فقط علي السكر وسعر كيلو اللحم..! * * * وما دام أحد لا يعلم ما الذي يجري في مصر فإن من حق سائق التوك توك في الفيديو المثير الذي انبهرت به مصر كلها أن يرفض كل هذه المشروعات القومية وأن يسخر منها وأن يدعو إلي التوقف عن إقامتها وأن يكون الاهتمام بالناس "وندلع الناس" وكل الدخل لمصر يذهب للأكل والشرب والدعم.. وبذلك تكون الدنيا حلوة.. والحكومة ناجحة والسيسي أحسن رئيس. وسائق التوك توك الذي اهتمت به الدنيا كلها للطريقة التي تحدث بها..ولتسلسل أفكاره ودقة كلماته وتعبيراته كان محقاً في الكثير من النقاط التي تحدث فيها بغيرة وحماس وخوف علي مصر.. وكان علي صواب في ادانته لكل الذين أوصلونا إلي هذا المنحدر الذي تمر به البلاد.. ولكنه كان مغيباً عن حقيقة ما يحدث وكان واضحاً أن ما عبر عنه يمثل احساس وقناعات قطاعات كبيرة من المواطنين تعيش في حيرة وقلق ولا تصدق شيئاً مما تسمعه..! سائق التوك توك كان مفيداً في رسالة الغضب والعتاب التي بعث بها.. والمهم أن نستفيد من هذه الرسالة قبل فوات الأوان. * * * ونترك الإعلام الذي أصبح وراء تضخيم كل المشاكل إن لم يكن سبباً في اثارتها والنفخ فيها كما حدث في الأزمة الأخيرة بين مصر والسعودية لنتحدث عن بعض قضايانا ونوادرنا وتخبطنا أيضا..! فالدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة بقراره بإلغاء خانة الديانة من الأوراق الرسمية في جامعة القاهرة أثار قضية لم تكن موجودة في "شو" إعلامي جديد لرئيس الجامعة الذي أصبح مدمنا للظهور الإعلامي ويعيش أيامه..! والدكتور خالد سمير عضو مجلس نقابة الأطباء يقول: "أنا خايف أتكلم عن مشكلة المحاليل ليقولوا عليا إخواني"..! ونقول إيه عنده حق.. ولكن اتكلم يا دكتور.. خلاص دي أصبحت تهمة محروقة.. واللي يخاف يمشي..! وإحدي الأمهات نشرت صورة لأحد بائعي "الفسيخ" وهو يقوم بلف "الفسيخ" في كتب العام الجديد..!! راجل بيفهم.. وده أفضل مكان للكتاب المدرسي..! وأخيراً المطربة صاحبة الصوت الدافيء الذي لن يتكرر.. مطربة الشموع السوداء نجاة الصغيرة تفكر في العودة للغناء مرة أخري..! وقرار العودة سيكون مدمراً لنجاة وتاريخها وصادماً لكل الذين عشقوا صوتها..! نجاة هي صوت الحب الصافي الذي يجب أن يظل من بقايا الزمن الجميل بكل مشاعره أحاسيسه.. وهي لا تنتمي إلي عالم اليوم ولا أيضا إلي مستمعيه..!