في بورسعيد تبدأ الحدوتة بمقولة صانع الحواديت.. اديب نوبل الروائي البريطاني "رواديارد كبلينج".. قبل سنوات وسنوات تقربنا من البدايات الاولي من القرن العشرين.. اطلق الاديب العالمي مقولة حيرت العالم وقتها: اذا اردت مقابلة صديق دائم السفر والترحال بحيث لا تعرف له مكانا ولا موعدا. هناك مكانان علي الكرة الارضية يحققان لك ذلك. فقط عليك الجلوس في احدهما. وانتظاره فهو حتما سيصل ان عاجلا او آجلا.. ميناء بورسعيد وموانئ لندن. وصف اديب نوبل بورسعيد فأبدع الوصف: هي مدينة تحتضن العالم. وهي ملتقي العالم.. هي الماضي الحافل بالبطولات والحاضر الذي يحتضن الامل. شعبها له مع المجد تاريخ لاينسي ومع البطولة حواديت ستبقي خالدة في ذاكرة الوطن ودفتر احواله. هي مدينة الماضي والحاضر والمستقبل اختصرناها لسنوات في المنطقة الحرة. ونسينا قصتها فلم نعد نعرفها.. الزائر لها تخطفه اضواء المحال التجارية والمباني العصرية. فلا يري ما فيها من كنوز اثرية تحكي تاريخها وتسجل بطولاتها ومن اجل شعبها البطل وارضها الامل نبحث عن بورسعيد التي لايعرفها الكثيرون. تقع بورسعيد في شمال شرق مصر يحدها شمالا البحر الابيض المتوسط. وفيها نقطة التقاء البحر الابيض المتوسط بقناة السويس التي تفصلها عن امتدادها الجغرافي بقارة اسيا المتمثل في مدينة بورفؤاد. ويحدها شرقا شمال سيناء وغربا دمياط والدقهلية والشرقية وفي الجنوب الاسماعيلية. تضم بورسعيد تراثا معماريا فريدا يجمع بين الطرازين الاوروبي والعربي حيث سكن المدينة منذ نشأتها العديد من الجنسيات الاجنبية.. وخصوصا من دول البحر المتوسط.. وهو ما اكسب المدينة طابعا متعدد الثقافات انعكس بدوره علي مبانيها وتراثها المعماري. من اهم معالم المدينة الباسلة الفنار القديم الذي يتمتع بقيمة اثرية وتاريخية كبيرة باعتباره اول بناء يشيد بالخرسانة في العالم عام 1869 في عهد الخديوي اسماعيل وذلك لهداية السفن المارة بقناة السويس.. والتي افتتحت في نفس العام بعد اسبوع من اكتمال بناء الفنار. يتخذ الفنار شكلا مثمنا ويبلغ ارتفاعه 56 مترا.. وكان يتميز بوجود كرة اعلي برجه كانت تستعمل لتحديد الوقت من خلال أحداث صوت دوي ناتج عن سقوطها وفق آلية معينة.. يسمع في تمام الساعة الثامنة صباحا ومنتصف اليوم والساعة الرابعة عصرا من كل يوم. ونصل إلي مبني هيئة قناة السويس.. وهو من الآثار المصرية المسجلة عالميا.. شيد عام 1895 كأول بناء علي شاطئ القناة ببورسعيد.. ويستخدم المبني كمقر لهيئة قناة السويس ببورسعيد ولمتابعة حركة السفن المارة بالقناة.. ويتميز بروعة المعمار وموقعه الفريد علي شاطئ القناة.. وقد اشترته بريطانيا في الحرب العالمية الاولي ليكون مقرا لقيادة جيشها في منطقة الشرق الاوسط قبل ان يتم جلاؤهم عنه وعن مصر كلها في 18 يونيه عام 1956 كآخر قاعدة لبريطانيا في منطقة القناة ومصر.. حيث رفع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر علم مصر عليه معلنا حريتها واستقلالها وسيادتها. وتقع قاعدة تمثال دي ليسبس في شارع فلسطين.. في نهاية ممشي دي ليسبس الشهير ببورسعيد علي ضفة القناة.. ويرجع تاريخ انشائها إلي عام 1899 وتعد احد الآثار المسجلة في بورسعيد.. وقد ازال ابطال المقاومة الشعبية تمثال دي لسبس عن القاعدة بعد جلاء العدوان الثلاثي في 23 ديسمبر 1956 تاريخ العيد القومي لبورسعيد. الرحلة في بورسعيد تقودنا حتما إلي القناة.. حيث متعة مشاهدة عشرات السفن العملاقة العابرة كل يوم.. لا تعدلها متعة.. وبهجة التواصل مع اهالي المدينة الباسلة لا تعدلها بهجة.. فشعب السمسمية والاغاني الوطنية والشهامة المصرية.. يمزج افراحه بعشق الوطن واحتفالاته بالانتصار للقيم.. وسوف تكون محظوظا ان انت زرت المدينة الباسلة يوم شم النسيم.. ففي هذا اليوم تشهد احتفالا شديد التميز.. يبدأ بكرنفال فني كبير.. يتضمن عروضا لفرق السمسمية والطنبورة ومعارض للتراث البورسعيدي.. فضلا عن الطقس الابرز والمتمثل في عادة حرق "اللمبي" وهو طقس قديم في بورسعيد تشهده احتفالات شم النسيم كل عام.. ويتمثل في قيام اهالي المدينة باعداد دمي تشبه رموز الفساد او الظلم المرفوضة شعبيا.. يتم عرضها علي منصات في الشوارع طوال اليوم.. قبل ان يتم احراقها في نهاية اليوم. تسمية هذه الدمي باللمبي جاء من اسم اللورد اللمبي الذي كان يشغل منصب المندوب السامي علي مصر اثناء الاحتلال البريطاني لها.. وكان مشهورا بقسوته وطغيانه.. فأراد اهل بورسعيد ان ينتقموا من الاحتلال علي طريقتهم فصنعوا دمية علي شكل ضابط انجليزي له ملامح اللنبي.. وعلقوها علي "صاري طويل" وطافوا بها شوارع المدينة ثم احرقوها لتبدأ من وقتها عادة حرق النبي ليلة شم النسيم سنويا. تفاعلت بورسعيد مع الاحداث التاريخية والوطنية التي شهدتها مصر في العصر الحديث.. فطوال مدة الاحتلال البريطاني لمصر كانت بورسعيد من اهم مناطق المقاومة وخصوصا بعد الغاء معاهدة 1936.. غير ان الحدث الابرز في تاريخ المدينة يبقي صمودها في مواجهة العدوان الثلاثي الذي شنته دول بريطانيا وفرنسا واسرائيل علي مصر عام 1956 ردا علي تأميم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لقناة السويس.. وهو ما اهلها لحمل لقب المدينة الباسلة. واستمرت رحلة بورسعيد في مواجهة العدوان علي مصر حيث توقف العدوان الاسرائيلي علي مصر في حرب 1967 علي حدود بورسعيد الشرقية حيث تحطم علي بوابة بور فؤاد والتي عجز الجيش الاسرائيلي عن التوغل فيها.