الناس بالناس تحيا.. وفي هذه الحياة تري.. الناس ألواناً وأشكالاً.. وعجائب وغرائب فوق كل تصور وخيال.. فيهم من يجيد ارتداء الأقنعة ويتلون كالحرباء حسب البيئة والموقف وقد تراه كل يوم بقناع.. يلقاك فيأخذك بالأحضان يصافحك باليمين ويطعنك بغدر منقطع النظير بالشمال.. وفيهم أنواع تجيد التسلق علي أكتاف الآخرين.. موهوبون في التملق والنفاق ومسح الجوخ.. وتقبيل الأيادي وحمل الحقائب "رمال" كل العصور.. يلتفون حول كل من يأتي لمنفعة أو مصلحة.. حتي لو داستهم الأقدام كالرمال.. وهناك نوع يجسد المثل القائل "عمية بتكحل مجنونة" فعندما تلقي الأقدار بضعيف في منصب ليس أهلاً له وتختلط لديه الأوراق وتتوه منه معالم الطريق وتتمزق بين يديه خيوط البصيرة فيستعين بمن هو أدهي وأمر.. لا رؤية ولا فكر ولا بصر ولا بصيرة.. فينزلق الاثنان إلي هوة سحيقة وهما يظنان انهما يصعدان إلي قمة المجد تماما مثل فيلم "الكيت كات" عندما اصطحب محمود عبدالعزيز وهو ضرير زميلاً له ضريراً أيضاً إلي السينما وظل محمود عبدالعزيز يصف لزميله الضرير أحداث فيلم من خياله بينما يظن المغرر به أنه يبصر ويشرح بينما هو مثله وما يرويه ليس له علاقة بما يدور علي الشاشة.. بينما صدق الاثنان نفسيهما وهناك في الحياة.. في كل مكان حتي ملعب الكرة جنود مجهولون يصنعون النصر ويمررون لاحراز الأهداف ويرتفع فوق أكتافهم البنيان وليسوا في الصورة علي الاطلاق أجرهم عند ربهم. *** وهناك نوع لهم درجات عليا عند ربهم.. سخرهم الله لقضاء حوائج الناس حببهم في الخير وحبب الخير لهم اختصهم بقضاء حوائج الناس.. فليس هناك أروع من أن تفتح نافذة الأمل أمام شخص ضاقت به السبل واختفي أمام عينيه الضوء الخافت في نهاية النفق المظلم.. فإذا به يجد نافذة أمل تعيد إليه بصيصاً من الأمل ترتد إليه أنفاسه ويتنسم من جديد رحيق الحياة وليس هناك أفضل من أن تمد يدك لغريق بين أمواج متلاطمة ورياح عاصفة ودوامات شديدة ساحقة.. فإذا بك تمد له يدك تقذف إليه طوق النجاة.. تنتشله من غرق محدق وبحر مهلك تجذبه إلي شاطيء الأمان وبر السلامة والاطمئنان. *** وليس هناك أروع وأفضل من أن تكون درع مظلوم.. ترفع عنه الظلم واليأس بعد أن اسودت الدنيا في عينيه وأغلقت كل الأبواب في وجهه وتاه منه الطريق وضل السبيل إلي الحق.. فإذا بك سنداً له تنصفه وتقف بجانبه في وقت تخلي فيه عنه الجميع لتعيد إليه حقه المسلوب لتكون لسان حال البسطاء ونصير الضعفاء. *** وهناك نوع من البشر يستمتعون بإذلال البشر وحبس حاجة الناس وهم كثر في أوروقة المصالح الحكومية تمتد أمامهم طوابير البشر للحصول علي بصمة شعار الجمهورية وهو بين يديه ومن صميم عمله أن يبصم به بلا جدال ولا نقاش ولا روتين ولكنه يماطل ويسوف.. وهذا النوع من البشر هو سبب تخلفنا عن دول كثيرة كانت في ذيل القائمة وسبقتنا بمراحل الآن ولو عدت بالذاكرة إلي ستينيات القرن الماضي كانت ماليزيا وسنغافورة ترسلان الخبراء والوزراء إلي مصر للوقوف علي كيفية إدارة مواني بورسعيد وبورفؤاد والاسكندرية واستعانوا بالخبراء المصريين لتعليمهم أصول وفن إدارة المواني.. الآن نحن نسافر إليهم ونقبل أياديهم لنقل خبراتهم لنا.. فانظر إلي الفارق الكبير.. كيف كنا.. وكيف أصبحنا وكيف كانوا.. وكيف صاروا الآن لتري إلي أين نمضي.. هل نسير إلي الأمام أم نتقهقر إلي الخلف بسرعة الصاروخ. *** ان نهضة بلادنا لن تكون إلا بأيدينا.. بالعمل والاخلاص والعطاء والأمانة والضمير ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.. لن تنهض بلادي إلا بالكفاءات واختفاء الفاسدين والمنافقين وأصحاب الأقنعة.. لن تنهض بلادي إلا بسواعد المخلصين الصادقين أصحاب الضمائر اليقظة الذين يعملون في صمت بعيداً عن الأضواء.