كثيرون من البشر يأتون إلي الدنيا وهم مكلفون من الله بإثراء الحياة. واستقامة الأمر. يأتي علي رأس هؤلاء الرسل والأنبياء. بينما يأتي في مرحلة لاحقة العلماء الذين مَنَّ الله عليهم بملكة إعمال العقل. والتعليم والتعلم. ولعل البلاد التي تبغي التقدم والرقي هي التي تضع هؤلاء في صدارة المشهد العلمي. وتوفر لهم كافة الإمكانات لإجراء أبحاثهم. ومن هنا فقط تتطور الحياة ولا تقف عاجزة عن التقدم. فما نحن فيه الآن من رفاهية العيش من مأكل ومشرب ومسكن وأدوات مساعدة. ما كان ليتوافر لملوك وأمراء أزمنة الماضي. لكنه العلم الذي قهر الجهل والمرض والتخلف. ولكل أمة لحظات إفاقة ولحظات تدني. فالأيام دول. وميزان القوة لا يتوقف عند أمة بعينها طوال الوقت. وكتاب التاريخ خير شاهد علي ذلك. فبينما كانت أوروبا غارقة في غياهب القهر والتخلف بالقرون الوسطي. كان للعرب علماء نابهون في كافة المجالات. فكان ابن باجة في الفلك. وابن رشد في الطب. وابن سينا في الرياضيات. وابن النفيس في الفلسفة. والإدريسي في الجغرافيا. وابن الهيثم في الهندسة. وغيرهم كثيرون.. وما كان للغرب أن يصل إلي ما وصل إليه من تقدم لولا النهل من علمهم وحضارة بلادهم. ونظراً للصراع التاريخي بين بني البشر باستخدام كافة الطرق والوسائل لامتلاك القوة التي تحقق رغد العيش والاستحواذ علي مقدرات الكون. تمكنت أوروبا وأمريكا من استثمار العلم واستقطاب العلماء من كافة بقاع الأرض. وتوفير كافة السبل لهم. وتحقق لهم ما أرادوا. فامتلكوا آليات القوة وتحكموا في الاقتصاد العالمي. وما يجب الوقوف عنده لتدارك الأمر. السماح للعقول الواعدة بالهجرة للغرب علي أمل الاستفادة من التقدم والعودة إلي الوطن في محاولة جادة لخلق حالة علمية ومناخ مناسب لمواكبة كل ما هو جديد. وهذا ما يحدث بالفعل.. ولكن عندما تكون هناك قدرات عقلية فذة. فالدول الأوروبية تقدم كافة الإغراءات لاستقطابها. وتوفير كافة الإمكانات لها. بل والعمل علي حجب هؤلاء عن أوطانهم. حتي يظل من يجلس في المقاعد العاجية متربعاً. ويظل الآخرون في أماكنهم. ولكن علماء مصر علي وجه الخصوص. غالباً ما يكسرون تلك القاعدة. ويكون الحنين إلي بلدهم أقوي من كل الإغراءات.. وفي الماضي القريب رأينا الدكتور مجدي يعقوب يرفض لقب سير والجنسية البريطانية. ليظل مصرياً خالصاً. ومنذ أيام قليلة رحل عن دنيانا العالم الجليل أحمد زويل. أحد نوابغ العلم والمعرفة في القرن الحالي بعد صراع طويل مع المرض. ليواري الثري جسده تحت الأرض. وتبقي أفكاره وتجاربه وأبحاثه فوق الأرض. منارة للعلم والمعرفة لخدمة الإنسان والحياة.. وهنا فقط نقول: وداعاً زويل.. علي أمل أن يخرج لنا من مدينته خليفة يكمل المشوار. ويحقق إرادة العلم.