يمثل عبدالله بن الحكم واحداً من أهم اعلام المدرسة الفقهية المصرية التي قدمت عطاءها للعالم الإسلامي كله بل قدمت تضحياتها وتركت سلسلة من العلماء في كافة المجالات. أما عطاؤه فهو ناشر مذهب الإمام مالك في المشرق والمغرب أما في المغرب فمن خلال علماء الأندلس الذين أتوا إليه في مصر يتلقون منه مذهب الإمام مالك ليعودوا إلي بلادهم يعلمون الناس هذا المذهب الفقهي المعتبر والذي ظلت عليه بلاد الأندلس والمغرب العربي قرونا عدة. أما في المشرق وفي كل العالم الإسلامي فمن خلال مختصره لفقة الإمام مالك والذي صار الكتاب المعتبر لدي العلماء حيث كانوا يرجعون إلي ما يراه في حالة تعدد الآراء في المسألة الواحدة وهو الإمام عبدالله بن الحكم بن أعين بن ليث الإمام الفقيه مفتي الديار المصرية أبو محمد المصري صاحب مالك ولد 150 ه كما جاء في موسعة سير اعلام النبلاء. وقد تلقي العلم علي يد كثير من العلماء منهم الليث بن سعد ومالك بن انس ومفضل بن فضالة ومسلم بن خالد وغيرهم. وتلقي عنه كثيرون منهم بنوه الأربعة محمد وسعد وعبدالحكم وعبدالرحمن وكذلك أبو محمد محمد الدارمي ومحمد بن البرقي. كان بن الحكم أحد العلماء الأثرياء الذين شهدتهم مصر وبذلوا أموالهم من أجل العلم كالليث بن سعد وبعدهم بكثير محمد ماضي أبو العزايم وكثيرون ممن كان المال معينهم علي أداء واجبهم نحو أنفسهم ونحو الآخرين. وأسرة عبدالله بن الحكم عربية جاءت إلي مصر في القرن الأول الهجري ونزلت في بلدة الحقل بالقرب من خليج العقبة وفي القرن الثاني الهجري انتقل وأسرته إلي الفسطاط. قال عن الفيروز بادي كان اعلم اصحاب مالك بمختلف قوله وتولي رئاسة جماعة المالكية بمصر. أما كتاب المختصر فهو أول مختصر في الفقه المالكي جمعه من سماعه أي جمعه عبدالله من سماعه وسماع غيره من إمام دار الهجرة "الإمام مالك" وأودع في دفتيه خلاصة فقهه وكثيراً من روايته عن الإمام مالك وقد وضع عبدالله بن الحكم ثلاث مختصرات في نفس الموضوع المختصر الكبير والمختصر الأوسط والمختصر الأصغر والأصغر قصره علي ما جاء في الموطأ وقد يتصور البعض ان مسمي مختصر بأن الكتاب صغير الحجم وهو ما ليس بصحيح فالمختصر الكبير تضمن ثمانية عشر ألف مسألة فقهية وفي الأوسط أربعة آلاف مسألة وفي الصغير ألف مسألة. إذن فهي كتب ضخام أما كلمة مختصر فجاءت من فكرة جمع ما قاله الإمام وضمه في كتاب وتنقية ما تكرر فيه فصار الكتاب الخلاصة فسمي مختصرا. وفي تحقيقه للكتاب قسم أحمد بن عبدالكريم المختصر الكبير إلي ثلاثة أقسام هي المسائل المجمعة من بطون الكتب لعدم وجودها في النسخ الخطية أي انه جمع ما ذكر في كتب الفقه المختلفة ويشير إلي أنه جاء في المختصر مجمعة لأن النسخ الخطية لم تأته كاملة والثاني هو النصب المحقق أي ما جاء في النسخ الخطية والثالث ملحق فيه ما نسبه ابن أبي وزيد القيرواني في كتابة النوادر والزيادات ويعد المختصر كما يقول أحمد بن عبدالكريم من أهم كتب الشئون الفقهية في المدرسة المالكية عموما والمصرية علي وجه الخصوص ومؤلفه كان إماما فقيها ثقة متحققا بمذهب مالك لأنه سمع منه الموطأ وغيره أي سمع من الإمام مالك. كما روي عن تلامذة مالك أيضاً مثل ابن القاسم وأشهب وابن وهب كما صار المختصر معتمد فقهاء المالكية ولاسيما في بغداد. كما شرحه أبو بكر الابهري وغير واحد من العراقيين وأهل المشرق.. واعتني بالمختصر أهل بغداد أكثر من غيره فهم إذا وجدوا في مسألة قولين قدموا قول ابن الحكم وقد لقي المختصر عناية فائقة من الفقهاء شرحا واستدراكا مصنف ابن شعبان القرطبي كتاب مخصر ما ليس في المختصر استدرك فيه ما فات بن الحكم في مختصره وألف أبو جعفر الابهري الصغير شرحا كبيرا عليها سماه تعليق علي المختصر الكبير وجاء في مائتي جزء. أما التضحيات فقد تعرض أبناء عبدالله بن الحكم وهم علماء كبار لما تعرض له العلماء في محنة خلق القرآن ورفضوا أن يقولوا بأن القرآن مخلوق كما تريد الخلافة العباسية في ذلك الوقت جريا وراء المعتزلة الذين أرادوا أن يتعاملوا مع القرآن علي انه كلام بشري.. حدث النكبة لأبناء عبدالله بعد 13 سنة من وفاة أبيهم في عهد المعتصم فصودرت أموالهم وترأس محاكمتهم قاض كانت بينه وبينهم مشاحنات فحكم عليهم بغرامة تجاوزت المليون دينار وزج بهم في السجن ومات الأخ الأكبر في سجنه وبعد ثلاثة شهور من المحاكمة اتضحت براءة أفراد الأسرة خاصة فيما يتعلق بأنهم أخفوا أموال أحد المطلوبين من الخلافة فتم القبض علي القاضي وحوكم لأنه لم يتحر الحقيقة وأفرج عن أبناء عبدالله بن الحكم وأعيدت لهم أموالهم إلا انهم اعتزلوا الحياة العامة.