لم يعد "الفيس بوك" موقعاً للتواصل مع الأهل والأصدقاء فقط. بل صار ملاذاً لأبناء الشخصيات العامة للتذكر بسيرة حياة وعطاء آبائهم الراحلين الذين تمر ذكراهم ولا يحييها الإعلام كلمحة وفاء أوتكريم لهم عما قدموه للمجتمع. ومن هذه الشخصيات الإعلامي الدكتور كامل البوهي صاحب فكرة إنشاء إذاعة القرآن الكريم في الستينيات بعدما وجد أن ما يقدم من برامج دينية وتلاوات قرآنية غيركاف لنشر الثقافة الدينية وتعاليم الإسلام المعتدل السمح. ولكن فكرته لم تجد استجابة في ذلك الوقت. فسافر إلي يوغوسلافيا ليقوم بتدريس اللغة العربية في جامعة بلجراد وهناك حصل أيضا علي الدكتوراة. وحينما عاد لمصر كلفه الدكتور عبدالقادر حاتم بتأسيس إذاعة القرآن الكريم ولهذا أصبح أول مديرة لها. ولأنه كان من حفظة القرآن فقد خصص الإذاعة في باديء الأمر للتلاوات القرآنية لكبار القراء. ثم أدخل عليها البرامج الدينية. فاستقبلت أجيال عديدة من الإعلاميين للعمل بها في الإعداد وتقديم البرامج والبث علي الهواء كما استضافت علماء الإسلام وأساتذة جامعة الأزهر لتوضيح ما خفي علي المستمعين من أمور دينهم والرد علي أسئلتهم. ولايزال صوت الدكتور البوهي يتردد فيها بعبارته الشهيرة "يا أمة القرآن يا خير أمة أخرجت للناس" ومن برامجه الإذاعية "في روضة الرسول الموسوعة القرآنية" وغيرهما. ولم يكتف الدكتور البوهي بالإذاعة. بل امتد عطاءه للتليفزيون فقد أعد برامج دينية منها "ربي زدني علما قرآن ربي في نور القرآن الكريم". أما مؤلفاته فكانت عديدة منها "التربية الإسلامية بين النظرية والتطبيق دعوة إلي السعادة نحو عالم إسلامي" كما ترجم العديد من الكتب والقصص من يوغوسلافيا منهم "عندما يكشف الكاتب أسرار مهنته". وأصدر "القاموس العربي اليوغوسلافي" وهو الوحيد لهذه اللغة حتي الآن. كما عمل أستاذاً غير متفرغ بالعديد من الجامعات المصرية. وقد توفي في 23 ابريل عام 1985 ولثراء عطائه هذا كان يجب أن نحييي ذكراه في الإذاعة والتليفزيون لا نترك احيائها لابنه "أحمد" الإذاعي بصوت العرب الذي كتب سيرته وإنجازاته علي "الفيس بوك" وهي التي لا تخفي علي المسئولين في اتحاد الإذاعة والتليفزيون. وعلي ذكر هذا الاتحاد فإننا نتذكر رئيسه أمين بسيوني الذي رحل عنا في 27 ابريل الماضي بعد مسيرة إعلامية طويلة في مجالات عديدة بالإذاعة كمقدم برامج ومخرج ومؤلف درامي ومشارك في برنامج "كتاب عربي علم العالم" ورئيساً لشبكة صوت العرب ثم الإذاعة المصرية وأشهد أنه كان رجلاً صاحب فكر متقدم وآراء صائبة ويعرف بالضبط كيف يختار عباراته لتؤدي بكل وضوح إلي بيان مواقفه من القضايا التي كنت أسأله فيها في تحقيقاتي الصحفية. وكنت أخبره بأن كلماته تلك لن يقولها لي سواه فيتواضع في رده ويبتسم وقد كان محبوباً من مرؤسيه وامتدت علاقته بهم حتي بعد تركه الإذاعة وتوليه رئاسة الاتحاد وقد ساهم في إنشاء قنوات النيل المتخصصة مع الإعلامي الكبير حسن حامد أول رئيس لها ثم تولي رئاسة الشركة المصرية للأقمار الصناعية "نايل سات" واستمر عطاؤه في إعلام مصر مزدهراً حتي قرر أن يستريح بعد كل هذه المستويات المشرفة لتاريخه المهني. ثم حان موعد وفاته في ابريل الماضي ولكنه ترك ابنيه علاء وتامر ليواصلا نفس المهنة وإن كان كل منهما قد اتخذ طريقاً مختلفاً عن طريقه. رحم الله الإعلاميين الدكتور كامل البوهي وأمين بسيوني وجعل ما تركاه من علم ينتفع به عمل لا ينقطع في ميزان حسناتهما.