ما يكاد الثلث الأخير من شهر رجب الفرد يقبل علي المسلمين حتي يأخذ في الحديث عن "الإسراء والمعراج".. وما يكاد الخامس عشر من شهر شعبان الكريم يقبل علي المسلمين حتي يأخذوا في الحديث عما حدث فيه من تحويل للقبلة الشريفة من بيت المقدس الي الكعبة المشرفة..وهنا يجب أن ننحو منحي الضرورة الهادفة لمحاولة القراءة التشخيصية والتمحيصية لبيان كيف اتصفت كل من عمليتي الإسراء والمعراج وتحويل القبلة بالمنحة.. والمحنة معا.. فعملية التمحيص ليست الا عملية بيان أهم الدروس والعظات. فالحدث الأول انها وقع تاريخي يؤكده القرآن الكريم وان لم يقم دليل معلوم علي شهرها ولا علي عينها كما قال الإمام ابن تيمية. والرحلة هي مختارة من اللطيف الخبير تربط بين عقائد التوحيد الكبري من لدن ابراهيم واسماعيل عليهما السلام الي محمد صلي الله عليه وسلم خاتم النبيين.. كما ترمز الي أبعد من حدود الزمان والمكان. فان الله برحمته بنا قد هدانا وأرشدنا الي رسالة المنحة كما جاء في سورة الإسراء التي يمجد الله سبحانه وتعالي فيها نفسه ويعظم شأنه وقدرته علي ما لا يقدر أحد سواه فلا إله غيره ولا رب سواه. قال تعالي: "سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام الي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير" الإسراء رقم "1"..أما المحنة فكان الإسراء تسرية للرسول عليه السلام وتمحيصا لقلوب المؤمنين.. وقد أفزع حديث الإسراء ضعاف الايمان فارتدوا عن الاسلام. وكان ذلك الارتداد خيرا للدين الجديد قبل أن يبحروا فيه بضعفهم ويوهنوا أركانه وكان الإسراء فتنة للناس وقد أومي الله إلي عبده "وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس"..ومن هنا نجد ان خارقة الإسراء والمعراج لم تتخذ معجزة مصدقة للرسالة وانما جعلت فتنة للناس وابتلاء كما قال الحسن: انه في يوم الإسراء والمعراج ارتد كثير ممن كان أسلم. واذا كانت حقيقة الحقائق ان "العاقبة للمتقين" فان هؤلاء المكيين الذين انتكس منهم من انتكس.. فان من بقي علي بصيرة دينية كان من المتقين والمثل الأعلي في ذلك هو الصديق أبو بكر الذي أعلن قلبا وقالبا "فما دام قال فلابد أن يكون صدق. وقف فيه عقلي أو لم يقف. وفتح ذهني له أو لم يفتح. اهتديت الي حكمته أو لم أهتد". وللحديث بقية.