أيام قليلة وتهل علينا ذكري الإسراء والمعراج، تلك المعجزة الإلهية والمنحة الربانية، جاءت لتثبيت قلب الرسول صلي الله عليه وسلم خير البرية، إيمانا ويقينا بما يدعو اليه من حق، لمواجهة المحن والشدائد بعد وفاة زوجته السيدة خديجة وعمه أبي طالب ورحلته الي الطائف التي لاقي فيها من الاستهزاء والأذي ما أدمي جسده الشريف، فتوجه إلي الله تعالي بالدعاء، فاستجاب له وفرج كربه وكشف غمه ونصره علي أعدائه. ودعا علماء الدين إلي الاستفادة من الدروس والعبر التي نتعلمها من معجزة الإسراء والمعراج التي تتجدد ذكراها في شهر رجب من كل عام، مطالبين في الوقت نفسه جميع المسلمين بالدفاع عن المسجد الأقصي أولي القبلتين ومسري رسول الله صلي الله عليه وسلم، واتباع نهج النبي الكريم في مواجهة المحن والشدائد.ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء، إن معجزة الإسراء والمعراج جاءت لتأكيد الإيمان في قلوب المؤمنين، ودعوة عامة الناس الي رحاب هذا الدين وهذه الشريعة الخاتمة، وذلك لآن الحكمة من تلك المعجزة قد حددها القرآن حيث قال رب العزة سبحانه”...لنريه من آياتنا...”، اي ليري رسوله صلي الله عليه وسلم من آياته الكبري التي لم يرها أحد سواه، لتأكيد عظمة هذا الدين وليؤمن الناس بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
وأوضح أن الإسراء والمعراج كانت اختبارا للذين يتبعون النبي، ليظهر المؤمن من المنافق، لأنهم مقبلون بعد ذلك علي هجرة يتركون فيها الوطن والأهل والمال، وعلي جهاد في سبيل الله فداء لهذا الدين، وقد سجل ذلك القرآن الكريم، قال تعالي” وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس...”، وقد تم بالفعل تمحيص للجميع بعد هذه المعجزة فثبت علي إيمانه المخلصون والصادقون في إيمانهم، وقد لقب ابو بكر بالصديق بعد هذه الحادثة، وفي الوقت نفسه ارتد المنافقون وظهروا علي حقيقتهم.
تطبيق للميثاق
وأشار الي أن من أهم الدروس المستفادة من هذه المعجزة الإلهية، أن فيها تطبيقا عمليا للميثاق الذي أخذه الله تعالي علي الرسل والنبيين، بأن يؤمنوا ويصدقوا ويتبعوا سيدنا محمدا ويتبع أتباعهم هذا النبي الخاتم، وذلك حينما أمّ جميع الأنبياء والمرسلين في الصلاة بالمسجد الأقصي في ليلة الإسراء والمعراج، وفي هذا إعلان بعالمية الإسلام.
وأوضح ان في ليلة الإسراء والمعراج فرضت الصلاة كركن من أركان الدين، ولأهميتها من بين سائر العبادات فرضها الله سبحانه وتعالي دون واسطة مع نبيه في مكان لم يصل اليه بشر او ملك مقرب، حيث فرضها الله تعالي خمسين صلاة ثم خففت الي خمس في العمل وخمسين في الأجر، كما ثبت ذلك في صحيحي البخاري ومسلم، ومن هنا نقول يجب علي كل مسلم ان يحافظ علي هذه المنحة الربانية بأن يواظب علي أدائها في جماعة طوال حياته الي ان يلقي ربه، وقد بشر النبي صلي الله عليه وسلم من يفعل ذلك بأن الله تعالي يحسن له الخاتمة، وذلك كما جاء في الحديث الصحيح، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : “ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَي اللَّهَ غَداً مُسْلِماً ، فَلْيُحَافِظْ عَلَي هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ “ المكتوبة...”.
القدرة الإلهية
وفي سياق متصل، يقول الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بأسيوط، أن الإسراء والمعراج تذكرنا بان العبودية لا تكون الا لله تعالي، ولذلك جاء بلفظ “بعبده” في الآية ولم يقل بنبيه حتي يبين للأمة فضل وشرف العبودية لله تعالي، كما نستفاد من لفظ “ليلا” في الآية ان الله تعالي كما شرف الليل بإسراء النبي صلي الله عليه وسلم فيه، فلنا ان نعلم ان وقت الليل هو وقت الخلوة والاختصاص، فالمؤمن الحق هو الذي يجتهد في العبادات الليلية من تسبيح وتكبير وتهليل واستغفار وتحميد وقراءة للقرآن وقيام الليل اغتناما لذلك الوقت الفاضل، وبخاصة في ثلث الليل الأخير، وقد جاء في الحديث الصحيح “ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَي السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّي يُضِيءَ الْفَجْرُ “.
وأشار إلي أن الله سبحانه وتعالي بين في معجزة الإسراء والمعراج منزلة المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصي بفلسطين، وقد أوضح ذلك الفضل رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما جاء في الحديث الصحيح”لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلي الله عليه وسلم، ومسجد الأقصي”، كما بينت أحاديث أخري فضل الصلاة في تلك المساجد، موضحا ان المؤمن الحق هو الذي يعظم ما عظم الله عز وجل ويتبع ما جاء في صحيح السنة المطهرة، مشيرا إلي أن ذلك الفضل للمسجد الأقصي ومكانته في الدين، يقتضي أن نقول إن تخليص المسجد الأقصي من أسره هو واجب علي كل مسلم في جميع بقاع الأرض، ونحن واثقون من نصر الله لهذه الأمة وتحقيق وعده لها انه علي كل شيء قدير.