كان من المفترض أن يتواصل الحديث اليوم وعلي مدي أسابيع مقبلة عن "عقيدة أوباما" بما لها وما عليها ومدي تأثيرها علينا نحن العرب وبحيث نستكمل هذا بالحديث ابتداء من مايو المقبل عن اتفاق سايكس - بيكو البريطاني - الفرنسي في عام 1916 أي أن الخواطر العربية ستحاول أن تقف عند بعض أبرز الأحداث علي مدي قرن كامل 1916 - ..2016لكن مناسبتين سعيدتين فرضتا تأجيل هذا الحديث الممتد وأرجو أن أتمكن من استئنافه سريعا واستكماله دون انقطاع اعتقادا مني أن هذا الحديث يستحق وقفات وتأملات تقارن الماضي بالحاضر وتقرن بينهما بما يساعد في إلقاء أضواء علي ما يمكن أن يحدث وصولا إلي تصور لما يجب أن يحدث للعرب وفي ديارهم وبالأخص في المنطقة التي شملها اتفاق سايكس - بيكو وجوهرها الذي اقتطعه وعد بلفور في 1917. أي فلسطين. أما المناسبتان السعيدتان اللتان اقتضيتا توقف ما كنا فيه فهما لقاءان حميمان ومناسبتان اجتماعيتان - ثقافيتان في دارنا الحبيبة دار "الجمهورية" - دار التحرير وفي مركز البحوث العربية والإفريقية.. وقد كان لقاء "الجمهورية" في يوم الاثنين 21 مارس الحالي واللقاء الثاني في يوم الأربعاء 23 من الشهر نفسه وعلي الرغم من عزلة خاصة فرضها المرء علي نفسه إلا أنني وجدتني مدفوعا إلي كسر طوق العزلة وإلي تلبية الدعوتين معا. كيف لا والدعوة الأولي إلي لقاء الأحباب في "الجمهورية" من الصديق والزميل الأستاذ فهمي عنبه رئيس تحرير جريدة "الجمهورية" الخلوق الذي يأسر جميع زملائه وعارفيه بحسن خلقه. وهكذا هو دائما في جميع المواقع التي شغلها سواء في دارنا الحبيبة أو في خارجها. وسواء في داخل مصر أو في خارجها.. والعبد لله امرؤ تأسره الأخلاق الكريمة وتعلو عنده وتتقدم علي أي صفات أخري.. وعادة لا أكتب عن زملائي وهم في مناصب قيادية وإن كان هذا من حقهم ومن واجبي وآمل أن أفي كلا منهم بعض حقه لو امتد بي العمر.. وقد تضاعفت دوافعي لاستجابة هذه الدعوة الكريمة لأن هذه هي المرة الثانية التي أدخل فيها المبني الجديد لدار التحرير. وكانت المرة الأولي بمناسبة تقديم واجب الشكر للزميل الأستاذ محمد علي إبراهيم رئيس تحرير "الجمهورية" الأسبق لأنه فتح أمامي باب العودة للكتابة في "الجمهورية" مرة أخري بعد فترة انقطاع طارئة. وعلي الرغم من أني حين تلقيت دعوته كنت أكتب في أكثر من صحيفة أخري إلا أني كنت مستعدا لأن أتوقف فورا لأعود إلي "جمهوريتي" التي بدأت منها وكبرت فيها وصاحبة الفضل الأول عليّ إن كان لي اسم في دنيا الكتابة الصحفية.. وكأن الله استجاب لرغبتي فقد توقفت الصحف الأخري سواء المصرية أو العربية.. وبقيت لي "جمهوريتي" فقط.. وهذا يكفيني. وزاد اعتزازي بدعوة الأستاذ محمد علي إبراهيم انه لم تكن لي به علاقة وثيقة من قبل والأرجح أن الصديق والزميل الأستاذ جلاء جاب الله رئيس مجلس إدارة دار التحرير حاليا هو الذي رشحني له فقد كان من القريبين منه وكان عندئذ مدير تحرير العدد الأسبوعي. وقد كان لقاء 21 مارس مناسبة طيبة للتلاقي وزميلات وزملاء أعزاء بعضهم لم أره منذ ثمانينيات القرن الماضي وبعضهم تزاملنا معا في أبوظبي ثم مضي كل في طريقه بعد العودة.. ولا تتسع المساحة لذكر جميع أسماء من لقيت بعد ظن بأنا لن نلتقي.. وهذا أجمل ما في المناسبة التي جمعت أحباء من مطبوعات الدار وليس من "الجمهورية" فقط.. وليتني كنت أستطيع ذكر أسماء الجميع فردا فردا بالاضافة إلي آخرين "اختطفتهم" صحف أخري أو عملوا في منظمات دولية وهناك من نقلوا من "الجمهورية" إلي دور أخري علي غير رغبة منهم وإن تجاوزنا ذكر الزملاء الأحياء أمد الله في أعمارهم جميعا فلابد في مثل هذه المناسبة أن نترحم علي أساتذة أجلاء كبار ولا يمكن لمثلي أن ينسي الأساتذة محمد عودة وسامي داوود وكامل زهيري وعبدالعزيز عبدالله ومصطفي بهجت بدوي وعبدالمنعم الصاوي ومحسن محمد وعدلي برسوم ومحمد الحيوان وفتحي عبدالفتاح والشيوخ الأربعة الدكتور محمد سعاد جلال وناصف سليم وماهر داود "ابن دار العلوم" وحسين الطوخي وغيرهم وغيرهم ثم أصدقاء العمر والمهنة جلال السيد وجلال سرحان وجلال العريان ومحمد حسن أبولبده ومصطفي كمال وكمال القلش وأمير اسكندر وبدوي محمود وعبدالحميد عبدالنبي ومصطفي كمال وسعيد عبدالرءوف. ومعذرة مرة أخري لعدم ذكر جميع الراحلين ممن عملت معهم وتعلمت منهم وكانوا جميعا أبناء مدرسة يوقر صغيرهم كبيرهم ويحترم كبيرهم صغيرهم. كانت بيننا خلافات بل وصراعات ولكن في إطار من تنافس شريف وحب متبادل يعلو خاصة في الملمات.. كانوا أساتذة وكانت "الجمهورية" مدرسة في صحافة الشعب وفي جميع الظروف.. وأمد الله في أعمار الزملاء الأحياء وبارك في الأجيال الجديدة ممن يواصلون العمل والعطاء بإخلاص وحب لمهنتهم واحترام لآدابها وولاء لصحيفتهم ومؤسستهم التي ظل أبناؤها يتمتعون بروح الإخوة التي لم يدب فيها السوس إلا بعد انقلاب كبير حدث في الصحافة المصرية في 1975 مما روي النبيل الشريف الأستاذ مصطفي بهجت بدوي بعض وقائعه في عدد من كتبه خاصة "من مذكرات رئيس التحرير" و"وجاء العيد بعد العاشر من رمضان" وكتب أستاذنا محمد العزبي يبوح بما يكتنز من ذكريات تلك الأيام بحلوها ومرها.. ولعل هذه السنة الحميدة التي استشفها الأستاذ فهمي عنبه ومن معه تتكرر وتصبح تقليدا سنويا أو شبه سنوي.. وشكراً للزميل العزيز. شخصيات مصرية واهتمامات إفريقية أعترف مقدما بأني لا أقصد دعاية ل"مركز البحوث العربية والإفريقية" الذي أشرف بعضوية مجلس إدارته منذ سنوات.. وهو للأسف غير معروف مصريا وعربيا إلا في دوائر ثقافية وسياسية لكنه أوسع شهرة علي المستوي الإفريقي وفي منتديات دولية بفضل رئيس مجلس إدارته المفكر الكبير الدكتور سمير أمين ومديرته حاليا الدكتورة شهيرة الباز أما نائبا الرئيس فهما الأستاذ عبدالغفار شكر والأستاذ حلمي شعراوي وأعضاء مجلس الإدارة هم: الدكتور عاصم الدسوقي والدكتورة عواطف عبدالرحمن والأساتذة مصطفي الجمال وممدوح حبشي وهاني شكر الله. تأسس المركز في 1987 وهو يهتم بالبحث والتوثيق وتدريب جيل جديد من الباحثين ويعقد مؤتمرات وندوات علمية وأصدر كمية كبيرة من الكتب والبحوث والنشرات والمجلات المتخصصة.. أما المناسبة التي سعيت إلي حضورها فهي تسليم جائزة حلمي شعراوي للدراسات الإفريقية لعام 2015 وقد نالتها الباحثة سعيدة محمد عمر من جيبوتي عن دراستها: "اشكالية التحول الديمقراطي في إفريقيا.. دراسة حالة جمهورية جيبوتي". وقد منحت الجائزة من قبل لعدد من البحوث المهمة. * إفريقيا في الفكر السياسي الصهيوني تأليف هبة محمد البشبيشي. * فرانز قانون والثورة الجزائرية للأستاذ طه طنطاوي. * الديكاويون في القاهرة والخرطوم للدكتورة علياء الحسين. * أزمات الرأسمالية العالمية وأثرها علي التنمية في إفريقيا للدكتورة غادة أنيس البياع. وتشرف علي الجائزة لجنة من مركز البحوث نفسه ومعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة.. ولعل الدراسات المشار إليها نموذج دالة علي إنتاج هذا المركز وعلي جهده العلمي خاصة علي المستوي الإفريقي ويكفي أن نقف قليلا علي شخصية صاحب هذه الجائزة أي الأستاذ حلمي شعراوي وهو باحث وكاتب تنصب اهتماماته أساسا علي القضايا الإفريقية وعلي العلاقات الإفريقية - العربية عبر التاريخ وفي العصر الحالي.. ولعل هذا ما تشير إليه المراكز التي شغلها ومنها: * المدير السابق لمركز البحوث العربية والإفريقية من 1987 إلي 2010 ثم تولي مركز نائب رئيس مجلس الإدارة حاليا. * أمين لجنة الدفاع عن الثقافة القومية "عقب اتفاق كامب ديفيد واتفاقية الصلح". * منسق حركات التحرير الإفريقية بمصر 1960 - 1981 علما بأنه تخرج في الجامعة في.1958 * مستشار وزارة الدولة لشئون السودان للشئون الثقافية في 1975 - 1979 "كانت احدي الوزارات المصرية لفترة"!. * أستاذ الفكر السياسي الإفريقي بجامعة جوبا - السودان 1980 - .1981 * خبير العلاقات الثقافية العربية - الإفريقية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم - تونس 1982 - .1986 * عضو اللجنة التنفيذية للمجلس الإفريقي للبحوث الاجتماعية في داكار. ويكتب في عدد من الصحف المصرية والعربية وفي المجلات المتخصصة وأصدر حوالي 15 كتابا بالعربية والانجليزية من بينها: الثورة الإفريقية في أنجولا "1975" وإفريقيا وقضايا التحرر والتنمية "1981" والعرب والإفريقيون وجها لوجه "1985" في ثقافة التحرر الوطني "2000" والفكر السياسي والاجتماعي في إفريقيا "2010" وإفريقيا من قرن إلي قرن "2010" والسودان في مفترق الطرق "2011" والثورات العربية وإفريقيا "2014". إن هذا إنتاج وعمل سياسي لكاتب مصري مشغول ومهموم بإفريقيا ويعرف أنه جزء من تربتها التي يريد أن يعرفها جيدا وأن ينقل هذه المعرفة إلي بني" وطنه وهذا ما يواظف عليه بدأب وعقلانية ورشد نفتقده وعند كثيرين ممن يتناولون الشئون الإفريقية.. وأضرب لذلك مثالاً وحيدا وهو مقال منشور في 17 مارس الحالي بعنوان "رؤية المجتمع المدني الإثيوبي لأزمة مياه النيل" وهو - في تقديري - من أهم ما قرأت عن كيف يفكر المجتمع الإثيوبي في هذه الأزمة. ومنذ وقت مبكر ومن الغريب أننا تجاهلنا وربما جهلنا هذا ولعل هذا ما دعا حلمي شعراوي إلي المطالبة بالمساءلة التاريخية لمن تولوا هذا الملف منذ البداية.. وليتنا نفعل الآن وبلا تردد. إن نشاط حلمي شعراوي علي المستوي الإفريقيي مستمر ومتزايد وهو يشرف حاليا علي تدريب فريق من الباحثين الشباب المتخصصين في الشئون الإفريقية ولهم موقع علي الإنترنت بعنوان: "إفريقانيون" ويعقدون اجتماعات منتظمة ويقيمون ندوات فكرية حول أهم القضايا الإفريقية كما يتمني المرء أن يكون لدينا العشرات بل المئات من أمثال حلمي شعراوي في اهتمامه بإفريقيا الذي أصبح بحق يحتاج إلي تقدير خاص وتكريم خاص في مناسبة تعقد لهذا الغرض وهذا ما دعا إليه الدكتور سمير حسني في لقاء الأربعاء 23 مارس. فمن يبادر ومن يقول للعاملين المجدين: شكراً. واسلمي يا مصر.