اتفق علماء النفس علي أن الشعوب تمرض كالفرد تماماً وبالتالي ما يصيب الإنسان يمكن أن يعاني منه المجتمع.. وبعد الثورات والحوادث الصادمة كالحروب والأعاصير يصاب بعض الناس بما يسمي "كرب ما بعد الصدمة" يشعر المريض معه بالخوف والقلق حتي بعد زوال الخطر ويأتي ذلك في صورة اضطراب في النوم وكوابيس وشعور بالوحدة والقلق ونوبات غضب ويكون الشخص الذي يعاني من هذا الاضطراب سهل الاستثارة أو فاقد الحس غير مبال يتصرف بحدة وانفعال عدوانياً وعنيفاً في أحيان كثيرة وتظهر هذه الأعراض في غضون ثلاثة أشهر أو بعد سنوات من الصدمة ويؤكد علماء النفس أن مثل هؤلاء الأشخاص لابد أن يطلبوا المساعدة النفسية.. والأهم من ذلك هو إعادة البناء المعرفي للشخص لأن المشاعر والأفكار التي تسيطر تكون مرتبطة ببعضها. فهل أصيب المصريون بهذا الاضطراب بعد ثورتين شهدتا كثيراً من العنف والدماء وإرهاب في كل مكان.. سؤال موجه لعلماء النفس؟ وبماذا نفسر هذا العبث واللامعقول الذي أصبح يحيط بنا من كل جانب وفي كل مؤسسات الدولة إلا من رحم ربي؟ تحت قبة البرلمان هذا الأسبوع لم يجد نواب الشعب إلا الحذاء ليعبروا به عن آرائهم فضلاً عن حالة التربص الواضحة بينهم في النقاش وطلب الكلمة وحتي الجلوس علي المقاعد وما يحدث بين من اختارهم الشعب يحدث كل لحظة بين أفراده.. فالنقاش يتحول في لحظة لجدال وخناق والثورة مستمرة والمطالب الفئوية نار تحت الرماد.. لا احترام للرأي الآخر الكل يري نفسه علي صواب والكل يتحدث في صوت واحد.. الأيدي وسيلة التفاهم في معظم الأحوال والكل يأخذ حقه بذراعه!! وما يحدث بين النواب وفي الشارع يحدث كل يوم علي القنوات الفضائية من النخبة وقادة الرأي والمثقفين.. تسخين وإثارة للفتنة وسباب بالأب والأم وتبادل لأقذع أنواع الشتائم. أيضا بين الأطباء والوزير والشرطة اختلط الحابل بالنابل وكأنه لا يوجد عقلاء في هذا الوطن ينزعون فتيل الأزمة التي تكبر ككرة الثلج كل يوم.. الكل يرقص علي جثة الوطن ولا يهمه أن تتداعي المؤسسات الكل يتاجر بالشعب ويأخذه رهينة لتحقيق مطالبه!! وفي النهاية.. هل المصريون يعانون من كرب ما بعد الصدمة وهل نوبات الغضب المشتعلة في الشوارع والمؤسسات والبيوت تعكس شعوراً بالقلق والخوف وهل تعمد إهانة الآخر لمجرد الاختلاف في وجهات النظر يعكس فقدانا للحس وعدم مبالاة وهل حدة الانفعال لمواقف تبدو بسيطة تعكس عدوانية وعنفاً. كل هذه الظواهر يجب أن تبدأ بيوت الخبرة والأبحاث في دراستها عليهم إرشاد المصريين للطريق لتجاوز الأزمة وعليهم أن يصفوا لنا برامج محددة علمية ومدروسة لإعادة التوازن النفسي للمجتمع تبدأ من البيت والمدرسة والجامع والكنيسة ووسائل الإعلام وكل مؤسسات التنشئة الاجتماعية.. لحسن الحظ أننا نمتلك أسماء عالمية ومراكز أبحاث متخصصة ومع ذلك لا يلتفت أحد لما يحدث في المجتمع!