خطاب الرئيس السيسي بمناسبة إطلاق رؤية مصر 2030 وجد طريقه إلي قلوب غالبية المصريين وعقولهم.. وفهم البسطاء مغزي رسائله وفحوي كلماته التي انحرف بها البعض عن مسارها ومعانيها الحقيقية. أدرك بسطاء هذا الشعب بحسهم الوطني ووعيهم الفطري صدق كلام الرئيس الذي يحمل همًا وعبئًا لا طاقة لنا به.. يحمله في صمت يتحمله في مشقة وعناء.. فما أسهل انتقاد الحكم وما أصعب الحكم ذاته.. وليس أصعب علي وطن من خيانة بعض أبنائه وتماهيهم مع أعداء الخارج الذين لا يرضون لنا غير وطن راكع خانع لا يملك من إرادته ولا مستقبله شيئًا.. لا يرضون بغير وطن متناحر منقسم جري استقطاب أبنائه وتشتيت ولائهم ومسعاهم. فهم البسطاء مغزي خطاب الرئيس. فهم يعرفون جيدًا حجم المخاطر وطبيعة الصعاب التي يجتازها وطنهم وسط إقليم مضطرب مستهدف في أعز ما يملك وحدة أبنائه وسلامة نسيجهم الاجتماعي.. يدركون رغم صعوبة الحياة وقسوة ظروفها الاقتصادية كم نحن في نعمة من الأمن فقدتها دول مجاورة تحترق بنار الحروب والصراعات التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. حتي صارت مصائرها بيد غيرهم. هؤلاء البسطاء هم الذين قصدهم الرئيس السيسي في خطابه. وأراد أن يرفع عن كاهلهم ما دأبت كتائب الشر علي نشره بينهم بالشائعات والتثبيط تارة وبسوء التأويل والقصد تارة أخري حتي تحقق مرادها بخلق فجوة بين السواد الأعظم من الشعب وبين أصحاب القرار والسلطة وضرب فئات الشعب ومؤسسات الدولة بعضها ببعض كما حدث في أزمة أطباء المطرية والحوادث الفردية المتكررة لبعض أمناء الشرطة والتي جري تهويلها وتسليط الضوء عليها بكثافة في محاولة بائسة لخلق أجواء مشابهة لتلك التي سبقت 25 يناير 2011.. وشتان الفارق بين الحالين بين شعب يصدق رئيسه ويدرك حجم الخطر الذي يحيط بنا الآن وبين ما كان من إحباط وغضب نتيجة الفساد ومحاولات توريث الحكم قبل يناير. وفي المقابل هناك فئة متربصة من نشطاء الفضاء الإلكتروني ولجانه الإخوانية الذين فسروا خطاب الرئيس علي أوجه أخري حاولوا لي أعناق كلماته ونظموا حملة تشهير وتشيير علي الفيس بوك و تويتر ومنصات الإعلام. وتوقفوا عند جملة قالها الرئيس وهي ¢اسمعوا كلامي أنا بس¢ وفسروها علي أنها مصادرة لحق الاختلاف والنقد. ورأوا فيها ديكتاتورية ولكن هل قصد الرئيس هذا المعني.. ألم ترد هذه الجملة في سياق تحذير الرئيس من مخاطر محيطة ومحاولات مستميتة من أعداء الدولة لخلق حالة بلبلة وتشكيك في كل شيء وأي شيء.ومن ثم أراد الرئيس وقف هذا التشتيت بأن طلب من محبيه ومؤيديه وهم كثر ألا يسمعوا لما يروجه الأفاكون الذين يريدون ضرب الوطن في أعز ما يملك في وحدته وتماسك نسيجه واصطفافه خلف قيادته. لكن كيف يصمت المتربصون عملًا بقول النبي الكريم ¢ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ¢.. أليس الصمت فضيلة إذا كان الكلام نقيصة وافتراء وتجاوزًا وهدمًا وإهالة للتراب علي كل شيء إيجابي.. وهل قصد الرئيس بهذه الجملة من ينتقدون أداء الحكومة أم أنه أراد ما هو أعم وأشمل. أراد كبح جماح ظاهرة سيئة ضربت المجتمع بعد ثورة يناير. وهي التطاول علي كل شيء. وما تبعها من تشكيك في كل شيء وتفتيش في الذمم والنوايا وسوء الظن ومجافاة الحق وصبغ النقد بألوان التحيزات الأيديولوجية ومصالح السياسة وتحولاتها. وينسي هؤلاء الذين يؤلون كلام الرئيس أن ثمة خيطًا دقيقًا بين نقد مباح أريد به الصالح العام وتبصير المقصرين بأخطائهم وسلبياتهم وطرح الحلول والبدائل أمامهم.. وبين هجوم وتطاول يتجاوز أصول النقد ويقفز فوق الحقائق ويهدم كل قيمة وإنجاز ويشيع الإحباط والسوداوية. يدرك الرئيس جيدًا تفاصيل وحجم ما يحدق بنا من أخطار ربما يعرف بعضنا بعضها ويجهل كثيرون خفاياها.. ولهذا فإن من يتكلمون بلا معرفة كاملة بالحقائق يقفزون عليها ومن ثم يصبح نقدهم منقوصًا يشوبه العوار ويجعل تصديقهم أو حتي الظن فيهم شيئًا بعيدًا خصوصًا إذا اقترن ذلك بحالة دائمة من الرفض والاحتجاج لكل ما خالف هواهم ومصالحهم. يتساوي هؤلاء مع من يقطعون الطرق. ويعطلون مصالح البلاد والعباد تحقيقًا لمطالب فئوية في ظل الأوضاع الصعبة. و من يبثون الرعب والفزع ويرتكبون الحماقات وجرائم العنف والإرهاب. إهدار حقوق الآخرين بغلق مستشفي في وجه المرضي أو خروج علي القانون وإهدار هيبة الدولة وسيادتها وخلق مساحات من الاحتقان والفوضي كل ذلك يصب في خانة الأعداء فكيف يتصور من يفعل ذلك أن تقوم لدولة العدل والقانون والمساواة قائمة.. كيف يتحقق ذلك إذا استمسك كل منا بحقه دون أن يؤدي ما عليه من واجب..وهل تتحقق دولة القانون إذا وصل كل منا إلي مطالبه إهدارًا لحقوق الآخرين وقفزًا علي حق الدولة في الاستقرار.. كيف تقوم لدولة القانون قائمة وهناك من يعادي القضاة ويشكك في أحكامهم ويتربص بالشرطة ويدمغها بتصرفات معيبة وخروقات اقترفها بعض المنتسبين إليها.. كيف تسترد السياحة عافيتها ولا يزال بيننا إرهابيون يطاردون السياح أينما وجدوا ترويعًا لهم وتطفيشًا دون أن يقيموا لحدود الله وزنًا وهو الذي نهي عن ترويع من أعطيناهم الأمان في ديارنا وهدفهم إعطاء رسائل للعالم بأن مصر عاجزة عن حماية من يقصدها للزيارة والسياحة.. كيف يسترد الاستثمار قوته ولا تزال ماكينة الشائعات تبث سمومها تشويهًا لسمعة الدولة.. وللأسف هناك موظفون يساعدون علي ذلك بتماديهم في الكسل والبيروقراطية وتعطيل المصالح وتعويق فرص النجاح والتقدم. أليس ما يجري في البرلمان من مشادات واعتداءات وصلت لحد تعدي نائب بالحذاء علي زميله اعتراضًا علي استضافة الأخير للسفير الإسرائيلي في منزله دون موافقة البرلمان.. أليس ذلك نتاجًا لحالة الفوضي والسيولة التي يشهدها المجتمع.. أهذه هي مصر التي نريدها.. أهذه هي الحرية والديمقراطية.. متي يدرك هؤلاء أننا في معركة مصيرية. معركة بناء وبقاء.. هل نملك ترف الخلاف والتشاجر في ظل اقتصاد ينزف ومحاولات مستمرة لجرجرة الدولة المصرية إلي مستنقع الفوضي والعنف الذي تغرق فيه بعض الدول العربية.. ألم ينتبه هؤلاء إلي ما كشف عنه الرئيس في خطابه الأخير من تحول جديد في المؤامرة لاستهداف استقرار الدولة عن طريق إحداث خلافات داخل المجتمع والدولة قائلاً بالنص: ¢اللي بيتم دلوقتي أن الناس تشتبك مع بعض. وكذلك مؤسسات الدولة مع بعض. وفئات المجتمع مع بعض..¢ أليس ذلك هو عين ما يحدث اليوم..؟! إن من يفعل ذلك الآن بقصد أو دون قصد يوقع الضرر بهذه الدولة. ويمهد للفوضي ويهز الثقة في مسيرتها ونشر الإحباط بين شبابها ومن يفعل ذلك فهم جناة معتدون علي دولة القانون. لا ينتظر المواطنون من نوابهم ما يحدث الآن من مهاترات بل يرجون منهم سن قوانين تحمي الضعفاء وتحقق العدالة والرقابة علي الحكومة والشفافية.. هكذا تتحقق دولة القانون وتكتمل مسيرة الديمقراطية..؟! لست أعتقد أن الرئيس السيسي استثني أحدًا من المتجاوزين في خطابه.. لقد قصد المعتدين علي هيبة الدولة وعلي حدود الأصول الواجبة والمصالح العليا للبلاد وليس فقط من تطاول علي شخصه أو علي مسئول في الحكومة. فالتطاول صار سمة كان من تجلياتها الانقسام الحاد حول كل شيء. حتي أن الخلاف وليس الاختلاف في الرأي بات نتيجة متوقعة إزاء كل حدث أو مشهد في مصر.. فهل هناك تقويض لدعائم الدولة أكثر من هذا.. كيف تقوم لدولة القانون هيبة في غيبة قضاء مهاب مطاع. وماذا وراء الفوضي إلا الانهيار. وماذا بعد نزع المصداقية من القضاء إلا الفتنة واندحار العدالة وذهاب كل معاني الأمن والاستقرار. فالله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة. وينقض دولة الظلم ولو كانت مؤمنة.. فالعدل المطاع أساس الملك. لقد انحرف صناع الإحباط ومروجو الوهم بخطاب الرئيس عن غايته وقادوا حملة تشويه ضد مبادرة ¢صبح علي مصر بجنيه¢ وأساءوا تأويل قول الرئيس ¢والله لو ينفع أتباع عشان خاطر البلد¢ رغم وضوح المعني واتساقه مع ما قاله الرئيس في خطابه بأنه لن يترك موقعه إلا إذا انتهت حياته أو مدته الرئاسية. مضحيًا بنفسه فداء لوطنه وهذا هو عهد الشعب به منذ قبل المهمة الثقيلة ونزل علي إرادة الناس بالترشح للرئاسة رغم كثرة المخاطر والأعداء من كل جانب.. وهذا ما فهمه عامة الشعب من خطاب الرئيس الذي يجد دائمًا طريقه لقلوب السواد الأعظم من المواطنين. صحيح أن بعض الناس قد أصابهم الإحباط لكثرة ما يرونه من انفلات في الأسعار وعدم استقرار في الأسواق. وتخبط بعض المسئولين وغياب الرؤية السياسية عنهم. وعدم تحركهم بجدية أو السير علي خطي الرئيس.. وصحيح أن الناس لا تؤمن إلا بما يصل لحياتهم من إنجازات وأن شرعية الإنجاز لا تعلوها شرعية أخري لكن الصحيح أيضًا أن الرئيس لا ينام إلا بقدر ما يقيم حياته ويجوب العالم شرقًا وغربًا بحثًا عن فرص أفضل وشراكات اقتصادية تصب في صالح الوطن والشعب.. لكن ذلك يقابله للأسف أداء متراخي لدي بعض الوزراء. وإجراءات حكومية لا تضع المسئولية السياسية في حسبانها اعتمادًا علي شعبية الرئيس ورصيده لدي المواطنين. غير مدركين لخطورة المتصيدين الذين ينفخون النار في كل شاردة وواردة وسقطة يقع فيها مسئول هنا أو هناك. ناهيك عما تواجهه الدولة من أخطار واستهداف شبه يومي لرجال الجيش والشرطة وسقوط ضحايا وشهداء هنا وهناك. الشعب المصري لا يزال خلف قيادته. مؤمنًا بأن الخطر لا يزال قائمًا. مدركًا عمق رسالة الرئيس الذي استهدف بها كل من يسمح ولو تواطؤا بالصمت بأن يمس الوطن واستقراره خصوصًا الإعلام والنخبة و النشطاء الذين يتعامل بعضهم مع قضايا الوطن ببلادة وسخف وتفاهة وابتزاز وأنانية. فتركوا الأولويات الواجبة كإصلاح التعليم والوعي والصحة وتفرغوا للنميمة وتسطيح العقول ونشر الوهم والفضائح وإثارة العواصف وتصيد السقطات والتشكيك في كل شيء وضرب الانتماء الوطني في مقتل.. وآن الأوان لأن يدرك الجميع أن الوطن ليس مزادًا يؤيده مادام ينال ما يتمني منه ويعاديه إذا ما حرم مما يبتغيه.. وعلي كل معارض أن يتقي ربه في وطنه وألا يسير علي نهج من تربوا في حظائر الخارج وباعوا أنفسهم نظير دولاراته. علي الجميع أن يتحمل نصيبه في العمل والإنتاج ومسئولية الدفاع عن الدولة وليس الرئيس.. عن الاستقرار ضد الفوضي. عن الانضباط ضد الانفلات.. عن وحدة الصف ضد الفتنة ورياح التقسيم. آن الأوان لتحصين الوطن ضد بعض أبنائه الذين باعوا أنفسهم للشيطان.. وشروها بثمن بخس وعلي البرلمان سرعة ضبط الأداء والخروج بتشريعات تحمي الاستقرار وتكرس للعدالة والانضباط والإنتاج والإصلاح والمساواة والمواطنة والدولة المدنية الحديثة.. وعلي الحكومة أن تجعل من الإنجاز وسيلة لإسكات ببغاوات الإعلام ونشطاء السبوبة ومتصيدي الأخطاء وترك منطق التبرير وليس في الإمكان أبدع مما كان.. فهذه دعاوي فات أوانها!!