بين القرآن ان الحق الذي صدر عن الله تعالي صورتان لا صورة واحدة. خلافا للشائع فأما الصورة الأولي فهي صورة الوحي أو الشريعة وفيها منزله "نزل عليك الكتاب بالحق" وأما الثانية فهي الخلق بالحق وعنها قال مالكه "وخلق الله السماوات والارض بالحق" لكن الصورة الأولي وحدها هي التي نالت انتشاراً فيما لم تستوقف الصورة الثانية الناس. ولان الله هو العليم الخبير ما كان ليغفل بعد هذه الصورة عن أذهان وصعوبة تصورهم لها فقدر حادثة المناظرة بين كليم الله موسي وبين فرعون لتبين الصورة البعيدة ولتؤسس من لحظتها في ديانة المؤمن و سلوكه الطريق الواضح لمعرفته بربه ولتكتشف للمؤمن علة خلق الأكوان بالحق بما فيها المخلوقات المميتة والضارة والكريهة إذا تسوق المناظرة فرعون ليطرح السؤال التالي: ¢فمن ربكما يا موسي¢ ومن له علم بأديان وعقائد ذلك الزمان يعرف أنها انصبت علي المعرفة الغنوصية الرامية لإدراك ماهية الإله وذاته وبالتالي يتوقع من فرعون أن يسأل ¢فما ربكما ياموسي¢ إلا ان المدهش أن ذلك لم يحدث. وطرح فرعون سؤاله الآخر الذي سجله القرآن. فإذا التفتنا إلي إجابة كليم الله. لوجدناها أشد إدهاشاً وإذهالاً. إذا يجيب عليه السلام: ¢قال ربنا الذي أعطي كل شئ خلقه ثم هدي¢ ومن لحظة تفوه كليم الله بهذا الجواب ادركنا ان معرفة الخالق من مخلوقاته. والواجد من موجوداته. من خلقتهم ومن سلوكهم أحياء كانوا أم جمادات. لأن ذلك بحسب الآية. سبيل ارتضاه الله ليعرفنا بنفسه. منذ عهد موسي. إن اهل الطب والعلوم. يعرفون أن هناك ارتباطاً لا ينفصم بين شكل المخلوق "أحياء وجمادات" وبين وظيفته فلكل مخلوق خلقه تخول له أداء دوره في الوجود. ولولاها لما استطاع ذلك. وهو الأمر الذي عادت سورة الحشر لتأكيده وتفصيله. بوصفه تعالي لنفسه: ¢الخالق. البارئ. المصور¢ فربطت بين صورة الكائن وبين وظيفته أولا ثم ربطت كلاهما بمعرفة الله ثانياً. ربطاً يختلف تماما عن حديث الاعجاز العلمي وعن أدلة وجود الله.