من الواضح ان اثيوبيا تصر علي المضي قدماً في إكمال بناء سد النهضة غير مكترثة بالحلول الدبلوماسية والتفاوضية التي اتفقت عليها مع مصر وتمثلت في الاحتكام لمكتبين استشاريين أحدهما فرنسي والآخر هولندي. الخلافات التي نشبت بين المكتبين المذكورين أعطت متسعاً من الوقت لاثيوبيا التي لم توقف أعمال البناء حتي انها أنجزت 50% من جسم السد بسعته التخزينية التي تعترض عليها مصر والتي تفوق 70 مليار متر مكعب مما يؤثر علي تدفق المياه لبحيرة ناصر خلف السد العالي ويضر بمصر ضرراً بالغاً. أخشي أن يكون طريق التفاوض والتفاهم الذي اختارته مصر لحل مشكلة سد النهضة غير مفيد وعلي القاهرة إعادة التفكير مرة أخري في طرق وأساليب جديدة واستخدام ما لديها من أوراق قانونية تحفظ حقها في تدفق مياه النيل الأزرق الذي يشكل 85% من كمية المياه القادمة لمصر التي تعتمد اعتماداً كاملاً علي مياه نهر النيل. ورغم ان اثيوبيا لا تعاني من ندرة المياه ولا تعتمد علي مياه نهر النيل الأزرق الذي يخرج من بحيرة تانا في أقصي المرتفعات الشمالية وينحدر نحو الجنوب الشرقي ثم يتجه بين مرتفعات الحبشة نحو الغرب ثم الشمال الغربي ليصب في نهر النيل القادم من الجنوب ولا يشكل سوي نسبة ضئيلة من المياه المتساقطة علي اثيوبيا التي تمتلك 11 نهراً بخلاف النيل الأزرق. كان أمام اثيوبيا أن تختار نهراً آخر غير النيل الأزرق لتقيم عليه ما تشاء من السدود وهناك نهرا جوبا وعطبرة اللذان يتجهان نحو الجنوب الشرقي ويصبان في المحيط الهندي بعد أن يعبرا أرض الصومال. لكنها اختارت النهر الوحيد الذي يغذي مصر بمعظم حصتها من مياه النيل لتقيم عليه سداً. ولاثيوبيا سوابق خطيرة في إقامة السدود ومنع المياه عن الدول المجاورة لها وأبرز مثال علي ذلك السد الذي أقامته علي أحد أنهارها المتجهة جنوباً إلي كينيا ويغذي بحيرة توركانا بالمياه. لم تكترث اثيوبيا بالاعتراضات التي أبدتها كينيا وأصرت علي إقامة السد الذي أضر بالحياة البرية والبحرية لمنطقة شمال كينيا وضربت عرض الحائط باحتجاج المنظمات البيئية الدولية التي تسعي للحفاظ علي الحياة البرية. وها هي تعود لاختيار نهر النيل الأزرق الحيوي بالنسبة لمصر لتقيم عليه سد النهضة قبل حدودها مع السودان بمسافة 20 كيلو متراً فقط ما يعني انه في حالة انهيار السد فلن يؤثر عليها بل سوف يدمر العاصمة السودانية الخرطوم ويغرق المسافة الواقعة بينها وبين الحدود مع اثيوبيا في الشرق. القلق الذي عبر عنه وزير الري الدكتور حسام المغازي عندما قال ان الوتيرة التي تسير عليها اثيوبيا في بناء السد لا تتناسب مع وتيرة سير التفاوض يجب ألا تمر مرور الكرام وعلي مصر التفكير في استخدام أوراق ضغط علي اثيوبيا وهي كثيرة وتبدأ من الاتصال بجيرانها الأعداء في الشرق الصومال اريتريا وحتي بمكوناتها في الداخل.