* منذ سنوات أخذت أول حفيد لي وذهبت إلي المدرسة لأدفع المصاريف.. وجدت شمطاء عجوز عبوس. لا تبشر بخير.. جلست أمام آلة حاسبة. وأخذت تضغط علي زراير.. المصروفات العادية.. المربية.. الأتوبيس.. المشرفة علي الأتوبيس.. كراريس الرسم.. إلخ.. إلخ.. ثم الزرار الأخير الذي كاد يوقف قلبي!!!.... المجموع!!!!....... لا أذكر الرقم الآن بعد سنوات.. ولكن أستطيع أن أقول إنني وشقيقي بعد 14 عاماً دراسة في العباسية الابتدائية وفؤاد الأول الثانوية. كان الناظر اسمه "الدكتور"!!!... أحمد "بك" رياض. ثم كلية الحقوق. جامعة فؤاد الأول. والدي دفع مصروفات لي ولشقيقي لا تزيد علي واحد علي خمسمائة!!.. من مصاريف طفل خمس سنوات في كي.جي.وان!!.. كنا نسميها زمان المدرسة الإلزامي.. كانت هذه نقطة تحول في حياتي كلها. هل أحفادي في حدود إمكانياتي المادية سيكونون أقل من أقرانهم وأصدقائهم. لا في العائلة فقط. بل أيضاً أقل من أبناء الجيران والمعارف. خصوصاً في النادي مثلاً؟!!... طبعاً.. لا ثم لا.. آسف عزيزي القارئ.. إذا كنت أسرد بعض الخصوصيات.. ولكنها مشكلة عامة. قابلت العديد جداً من الأسر والعائلات.. لم يكن أمامي سوي حلين.. إما أن أبيع فيلا والدي. أو أبيع مجوهرات الأسرة بعد استئذان إخوتي.. خاصة أن أخي الوحيد مهاجر منذ ..1955 وقد كان. * * * بعد تكرار اعتذاري للقارئ.. تسألني: لماذا أكتب هذا الكلام اليوم؟!!.. لأنه في نفس الوقت الذي بدأ التفكير في الإجابة علي سؤال آخر. أهم وهو.. ماذا بعد؟!... المجوهرات بدأت تتناقص لوجود حفيدين آخرين!!.. ومساعي استرداد ما تم تأميمه قضائياً وغير قضائي حبالها طويلة لسنوات وسنوات!!.. في نفس هذا الوقت.. في نفس الوقت أتعرض لحادث تحطمت خلاله عظامي "الهشة"!!.. ففي مثل سني يصاب المرء "بهشاشة عظام" مرض معروف له دواء آخذه أحياناً. وتشغلني الأيام عنه أياماً.. فكانت سيارة إسعاف تحملني بعد أكثر من حقنة مخدرة.. وإلا ستدفعني الآلام لتحطيم السيارة. وضرب مَن فيها!!.. وصلت لأكبر مستشفي في مصر.. ولكن.. بعد ساعات أو يوم أو أكثر. تهل علينا أيام العيد ليتوقف التفكير. مجرد التفكير في نوع العمليات المطلوبة!!.. وتستمر المعاناة.. مصحوبة بالخوف من كثرة التخدير. خوفاً من الدخول في متاهات أخري. ومرت الأيام.. وبدأت الآلام تبتعد رويداً. ليقترب العقل والفكر!!.. رويداً أيضاً.. لأفاجأ بفواتير رهيبة!!.. وتتبدل الآلام الجسدية إلي آلام نفسية ومعنوية!!.. وهنا كلمة حق.. حاول المستشفي الكبير مجاملتي. ولكن في حدود ضيقة. لأنه يتبع جهة حكومية كبري. تخضع لجهاز المحاسبات!!.. قيل لي من باب المساعدة والإشفاق: أكمل علاجك في المنزل.. كيف وأنا لا أستطيع أن أترك السرير "اللعين"؟!!! وبدأت المعادلة الأكثر صعوبة.. في مصاريف الأحفاد.. أم علاجك؟!!!... كان كلام كل الزملاء بلا استثناء. بل والأصدقاء والقراء.. الكل قال لي: بعد 64 عاماً من الصحافة. أحدثت فيها أكبر انقلاب في تاريخها بتحويل الرياضة المنسية تماماً عام 1954 إلي أهم صفحات كاملة في كل الجرائد. ثم يمتد الجنون الكروي إلي الشاشة والميكروفون. حتي وقوع ..1967 بل مجرد العمل في كل الصحف الحكومية هذا الزمن الطويل.. كيف تتخلي عنك الحكومة؟!! قلت لهم: هذا هو الذي حدث.. واسألوا نقيب الصحفيين. ورؤساء كل الصحف القومية.. رغم كل ما بذلوه.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.