صدر هذا الأسبوع تقرير عن المعهد الدولي للأمم المتحدة لبحوث الغذاء يشير إلي حتمية قيام دول الشرق الأوسط بزيادة الاستثمارات المالية في القطاع الزراعي مع زيادة الاعتمادات المالية المخصصة لبحوث تطوير انتاج الغذاء في ميزانيات الدول إلي 1% من الناتج القومي الزراعي موضحا ان الأردن وسلطنة عمان هما الدولتان الملتزمتان فقط بهذه النسبة.. أوضح التقرير أيضاً ان الأبحاث أشارت إلي الارتباط القوي بين ما تنفقه الدول علي البحوث الزراعية وبين زيادة الانتاجية والأمن الغذائي وتراجع نسب الفقر. وللأسف في مصر لا تزيد النسبة المخصصة لبحوث الغذاء والأمن الغذائي عن 5% فقط من إجمالي مساهمة القطاع الزراعي في الناتج القومي علي الرغم من الغبن الكبير المتعمد للقطاع الزراعي بتصنيف مصانع المكرونة والمخابز والمطاحن وزيوت الطعام والمسلي النباتي ومحلات بيع اللحوم والدواجن والعلافة والمستلزمات الزراعية علي كون عائدها يتبع قطاع الصناعة والتجارة وليس الزراعة وتقليل مساهمة قطاع الزراعة في الناتج القومي المصري إلي 13% فقط رغم استيعابه لنحو 33% من إجمالي العمالة المصرية وان نحو 55% من إجمالي الشعب المصري يقيمون في الريف بينما هو في الحقيقة يساهم بنحو 50% علي الأقل من الناتج القومي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. يأتي هذا في الوقت الذي يشب فيه خلاف غير متكافيء بين الفلاحين ومسئولي المحليات ووزارتي الري والزراعة حول حتمية تخفيض المساحات التي ستزرع بالأرز إلي 1.1 مليون فدان فقط رغم ان الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول تتطلب زراعة 1.4 1.5 مليون فدان بمتوسط استهلاك للفرد في مصر نحو 48 كجم أرز أبيض سنوياً وهو أقل من المعدل العالمي البالغ 65 كجم سنويا بالإضافة إلي كونه محصول لاستصلاح وتحسين التربة وذو عائد اقتصادي جيد للفلاح ولعله محصول الحبوب الوحيد الذي يعطي 4 أطنان حبوب للفدان بالإضافة إلي أهميته في سلسلة غذاء المصريين كبديل للقمح والرغيف والمكرونة وبدونه تتضاعف واردات مصر من القمح كما انه يحقق عائدا نحو مليار دولار سنوياً من تصديره. الغالبية الكبري من زراعات الأرز تتم في مصر علي مياه المصارف الزراعية ولا تستهلك إلا جزءاً يسيراً من مياه الترع وبالتالي فهي لا تضيف أعباء علي الموارد المائية وتساهم في تدوير واستخدام المياه لأكثر من مرة لأن الأرز يتحمل ملوحة المياه والتربة وكافة الظروف غير المواتية ولولا زراعته لتملحت نصف أراضي الدلتا وكل مياهها الجوفية من اقتحام المياه المالحة للبحر المتوسط لها. الغريب في الأمر ان الوزارات الثلاث السابقة زراعة وري ومحليات تتقمص دون اصدار الفرمانات القراقوشية فقط بمنع زراعة الأرز لأكثر من 1.1 مليون فدان دون أن توفر للفلاح البديل الاقتصادي والاستصلاحي والذي يمكن أن يزرعه الفلاح وتتعهد الدولة باستلامه بأسعار لا تقل ربحيتها عن الأرز والتي من أهمها في العروة الصيفية الحالية زراعة محاصيل الزيوت البذرية لفول الصويا وعباد الشمس والتي نستورد منها 96% من احتياجاتنا ونحتل المركز السابع عالميا في قائمة أكبر المستوردين وللأسف ترفض مصانعنا التسعة عشر للزيوت استلام محصولها من الفلاحين لعصرها وتوفير زيت وكسبة للأعلاف أو لمصنعات اللحوم كما في الصويا وتصدر علي استيراد الزيت الخام من الخارج لتكريره فقط في مصر وزيادة أرباح المستوردين والمزارعين الأجانب. هناك أيضا الذرة الصفراء والتي نستورد منها 5.3 مليون طن ونحقق المراكز الرابع عالميا في أكبر الدول المستوردة لها والتي نستخدمها في تصنيع الأعلاف الداجنة وللماشية والتي تعني عند المصريين البيضة والفرخة وقطعة اللحم والزبدة والجلد والجبن واللبن وغيرها الكثير والمساحات المتاحة صيفا تسمح بزراعة ذرة الأعلاف ومحاصيل الزيوت بعد أن انحصرت فقط في مساحات 1.1 مليون فدان للأرز و2.5 مليون فدان للذرة الشامية التي لا نحتاجها ثم 300 ألف فدان فقط للقطن وبالتالي يتبقي في المساحة المحصولية البالغة 6.5 مليون فدان نحو 3 ملايين فدان لو زرعنا مليوناً منها بالصويا والعباد ومليونين بالذرة الصفراء لحققنا منهما الاكتفاء الذاتي الفوري لمصر من سلعتين غاية في الأهمية ولو وفرنا ملايين العملات الصعبة وخفضنا أسعار اللحوم والدواجن ومنتجاتهما بعد إنتاجهما محليا وتوفير تكاليف النقل البحري والتفريغ وتسهيلات المواني وعمولات فتح حسابات البنوك للاستيراد والنقل الداخلي من المواني للمحافظات وغيرها لأصبح أمننا الغذائي أكثر استقرارا وأمانا ولتوجهت أموال الخزانة العامة للدولة للفلاح المصري وليس الأجنبي لتبقي في مصر وتدور داخل فلك الاقتصاد المصري محققين نموا وتنمية نحتاجها وبشدة ومعها خفض نسبة الفقر في الريف وتقليل الهجرة من الريف إلي المدن والتشدد الديني والجرائم ومحققين استقرارا منشودا سبقتنا إليه دول آمنت بقدرة القطاع الزراعي علي أن يقود التنمية. يعاني الفلاح حاليا من ارتفاع تكاليف مستلزمات الانتاج الزراعي وصعوبة الحصول عليها من تقاوي وأسمدة ومبيدات وعمالة مصحوبة بانهيار في أسعارها الأسواق بسبب هموم الدولة في خفض الأسعار وليس في تحقيق أسعار عادلة توافق الفلاح والمستهلك متناسية ان الفلاحين هم الأفقر وهم الذين يدفعون وحدهم ثمن هذه السياسات وأيضاً يعانون من توقف الصادرات الزراعية منذ عام 2010 والتي لن تتحسن إلا بتحسين نوعية مياه النيل وإيقاف التلوث ومعها تتحسن أيضاً صحة الشعب المصري والنتيجة تراكم الديون علي الفلاحين في البنوك والتعاونيات وبين الأهالي. إذا أردت أن تطاع فأمر بما هو مستطاع ولتكن البداية نهضة ريفية.