لا شك ان تصريح المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء في شفافية وصراحه بأنه يعاني من عدم وجود استراتيجية واضحة لوزارة الزراعة للنهوض بالزراعة المصرية لاقت استحسانا من نقابات الفلاحين والمهمومين بأحوال الزراعة في مصر وأكبرت في رئيس الوزراء مكاشفته للشعب المصري بالحقيقة وعدم رضاه عن الأمر. ينبغي لاستراتيجية النهوض بالزراعة المصرية أن توفق بين صالح الوطن وصالح الفلاح وأن تكون قابلة للتطبيق في سلاسة ويسر وتهدف إلي عودة الزراعة مهنة مربحة تحسن من أحوال الفلاح وتقلل من مستويات الفقر في الريف وتعمق احساس المزارعين بالأرض الزراعية وأهميتها في كونها مصنعا دائما للغذاء لا يبلي ولا يفني وانها تصبح مع المياه رأس مال قوياً ومصدر ربح الفلاح ورزقه وبالتالي ينبغي الحفاظ عليهما كمصدر قوي للدخل القومي والشخصي للمزارعين.أول الاهتمامات للاستراتيجية هو توفير الأسمدة الكيميائية وانهاء أزمتها إلي الأبد وطرحها في الأسواق الحرة بأسعار متقاربة مع أسعار صرفها من الدولة وبما لا يزيد عن 125 جنيها للشيكارة عبوة 50 كيلو جراما بسبب ان هذا الكيماوي ليس له بديل للتربة الزراعية ولابد من إضافته خارجياً بينما لا تؤثر عدم إضافة الأسمدة الفوسفاتية ولا البوتاسية لتوافرها نسبيا في التربة وتقتصر إضافتها في تحسين مواصفات المحصول وليس المحصول نفسه كما هو في الأسمدة النتروجينية. الأمر الثاني هو الاستراتيجية المربحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من خمس سلع نستوردها من الخارج وهي الفول والعدس والذرة الصفراء الخاصة بتصنيع الأعلاف للثروتين الداجنة والحيوانية ثم السكر وزيوت الطعام المنتجة من عباد الشمس وفول الصويا وبذرة القطن والجاهزة للتطبيق فوراً. فتقاوي الفول والعدس والتي تزرع في الدول المجاورة في سوريا وإيطاليا وفرنسا واسبانيا وانجلترا تعطي محصولاً يصل إلي 5.2 طن للفدان بينما لا يزيد محصول التقاوي البلدية في مصر عن طن واحد بسبب غياب استراتيجية إنتاج التقاوي عالية الانتاجية وعدم تطوير الأصناف البلدية والتي ينبغي توفير الاعتمادات المالية لها وفوراً للتهجين بينها وبين الأصناف المصرية لانتاج الأصناف المصرية عالية الانتاجية. تحقيق الاكتفاء الذاتي من العدس يتطلب زراعة 90 ألف فدان بالتقاوي المصرية منخفضة الانتاجية أو 40 ألف فدان فقط من التقاوي عالية الانتاجية بينما يحتاج الفول 450 ألف فدان فقط أو نصفها عند استخدام التقاوي عالية الانتاجية. نفس الأمر ينطبق علي إنتاج زيوت الطعام من عباد الشمس وفول الصويا حيث ينتج الأخير بالإضافة إلي الزيت كسبة العباد ويباع الطن منها بأكثر من أربعة آلاف جنيه لانها تدخل في جميع مصنعات اللحوم لارتفاع نسبة البروتين فيها ونستوردها من الخارج بالعملة الأجنبية. ومثله كسبة العباد المستخدمة في انتاج الأعلاف بالإضافة إلي زيت الطعام بكمية قد تصل إلي نصف طن لكل منهما. والمساحة المطلوبة للزراعة والاكتفاء الذاتي من الزيوت لا تزيد عن 400 ألف فدان في العروة الصيفية الخالية من الزراعات المهمة والتي تسمح بذلك تماماً وتخصم منها المساحات المزروعة بالقطن وقد تقل عن ذلك في حال استخدام تقاوي عالية الانتاجية. الذرة الصفراء والتي نستورد منها 3.5 مليون طن سنويا نحتل بها رابع أكبر مستورد في العالم للذرة يكفينا منها زراعة 2 مليون فدان صيفاً واحلالها للذرة البيضاء حيث لا توجد زراعات استراتيجية صيفاً إلا الأرز ثم القطن الذي انحصرت زراعته ثم الذرة ولدينا مساحات محصولية تبلغ 5.6 مليون فدان تسمح بتوفير مساحات الذرة وزيوت الطعام بدلاً من زراعات لب التسالي والفول السوداني لأغراض التسالي والمبالغة في زراعات البطيخ والكنتالوب والخضروات بحثاً عن مصدر للرزق علماً بأن ما يزرع فعليا وله أهميته هو 5.1 مليون فدان بالأرز. و350 ألفا بالقطن ويتبقي للدولة 5.4 مليون فدان ينبغي إعادة وضع سياسة زراعة جديدة لإعادة الهيكلة وزراعة الذرة الصفراء والبذور الزيتية علي أن تضمن الدولة عائدا جيدا للمزارعين واستلاما للمحصول. علماً بأن الذرة والزيوت قاربت علي الاختفاء من الأسواق العالمية لاستخدام الذرة في انتاج الإيثانول الحيوي كبديل للبنزين ومعها زيوت الطعام لانتاج الديزل الحيوي كبديل للسولار وينبغي أن نتوسع في زراعتها فوراً. الاكتفاء الذاتي من السكر والذي نستورد منه نحو 2 مليون طن سنوياً بفجوة مقدارها 32% لا تحتاج سوي توافر 90 ألف طن لزراعتها بقصب السكر أو 220 ألف طن لزراعتها ببنجر السكر وهي متوافرة في الجزء الأول من ترعة السلام جنوب بحيرة المنزلة والمناسبة لزراعة البنجر المتحمل للأملاح ورشح البحيرة. وتعطي عائدا متميزا للمزارعين. يتبقي استراتيجية رفع انتاجنا من القمح إلي 70% من احتياجاتنا ومثلها من اللحوم الحمراء والزبدة والتي سنناقشها في مقال قادم.