أصبحنا نشاهد ونسمع يوميا تصريحات مستمرة صادرة عن الجهات الرسمية بالولاياتالمتحدةالأمريكية أنها حريصة علي حماية حقوق الانسان في المجتمع الدولي. وأنها تعمل ما في وسعها لنشر الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير. وتبذل كل جهودها للقضاء علي الارهاب.. وغير ذلك من التصريحات.. والسؤال هو ما مدي صحة ومصداقية هذه التصريحات؟؟ فقد أصدرت الولاياتالمتحدةالأمريكية في عام 2001 وبعد هجمات سبتمبر الشهيرة قانون مكافحة الارهاب "قانون باتريوت" الذي منح أجهزة الشرطة صلاحيات واسعة من شأنها الاطلاع علي المقتنيات الشخصية للأفراد ومراقبة اتصالاتهم والتنصت علي مكالماتهم بغرض الكشف عن المؤامرات الارهابية.. كما تم منحهم اختصاصات واسعة أيضا في مجال مراقبة وتفتيش المشتبه فيهم دون ان يكون لديهم أدلة ملموسة تدينهم بشكل مباشر ودون فرصة رقابة كافية علي تلك الصلاحيات. واذا ما ألقينا نظرة متأنية علي قانون تنظيم التظاهر الأمريكي نجده مليئاً بالضوابط والشروط التي يتعين الالتزام بها من قبل المتظاهرين ومن أهمها منع التظاهر بالقرب من المدارس والمستشفيات والجامعات وأماكن الخدمة العامة للمواطنين كالوزارات والمطارات وأماكن تجمع وسائل النقل وداخل محطات السكك الحديدية والمترو. ومنع إغلاق الشوارع أثناء أو بعد أو قبل التظاهر. وضرورة تحديد الحد الاقصي المتوقع للمتظاهرين وحظر استعمال مكبرات الصوت العالية. وعدم السماح بالمبيت في المكان المحدد للمتظاهر لاي سبب كان. والتزام المنظمين للتظاهر بتنظيف المكان عقب الانتهاء من التظاهر. ومنح الحق للجهات الأمنية في فض التظاهر اذا ما حدثت أعمال شغب. وكلنا شاهدنا بأعيننا اسلوب تعامل الشرطة الأمريكية في احداث الشغب التي وقعت في مدينة فرجسون بولاية ميسوري عقب مقتل الشاب الاسود "براون" علي يد رجل الشرطة.. وايضا في تعاملها مع المظاهرات التي اندلعت في مدينة بلتيمور جنوبواشنطن عقب مقتل الشاب الاسود مزيدي جراي عقب تعذيبه بمعرفة رجال الشرطة.. ولعلنا نؤكد هنا ان التفرقة العنصرية في أمريكا رغم الغائها من القوانين الامريكية الا انها مازالت موجودة في الصدور. واذا ما تطرقنا الي معسكرات الاعتقال الامريكية الموجودة في جوانتانامو في كوبا. وابوغريب بالعراق وفي دول اخري مثل رومانيا وبولندا وافغانستان.. وغيرها نجد آلافا من المعتقلين دون تحقيقات أو محاكمة. وتحت وطأة الانتقادات الدولية لهذا الوضع الخطير اضطرت أمريكا الي اعداد تقرير تم عرضه منذ عدة شهور علي لجنة الاممالمتحدة لمكافحة التعذيب. اعترفت فيه بارتكابها تجاوزات في مجال حقوق الانسان وانها تتحمل مسئولية ذلك. ورغم كل هذا وجدنا الرئيس أوباما يصرح ان أمريكا كانت تحارب الارهاب في العالم كله. وان رجال المخابرات الامريكية تحملوا عبئا كبيرا وقاموا بمأموريات صعبة خارج البلاد. للقبض علي الارهابيين ومعرضين حياتهم للخطر.. الأمر الذي يطرح عدم مساءلتهم عن تلك التجاوزات.. لانهم كانوا يحافظون علي حياة المواطن الامريكي والأمن القومي الأمريكي. ولعلنا نتذكر سويا أن الولاياتالمتحدةالامريكية قامت اساسا علي حساب حياة الهنود الحمر السكان الاصليين للبلاد. ونفذت حوالي "75" حربا وتدخلا عسكريا ودعما لانقلابات عسكرية في بلدان العالم المختلفة. وتسببت في انقلابات عديدة في دول امريكا اللاتينية وانهيار دولة الصومال في القرن الافريقي. كما ان أمريكا لم توقع علي العديد من الاتفاقيات الدولية التي تمثل الشرعية الدولية والتي ينبغي ان تلتزم بها جميع الدول الاعضاء في منظمة الاممالمتحدة. ومن اهمها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. واتفاقية حظر التمييز العنصري. واتفاقية حظر التعذيب. والاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان التي صدقت عليها دول أمريكا اللاتينية. كما وان أمريكا هي البلد الوحيد في العالم الذي استخدم القنابل الذرية عام 1945 ضد اليابان عندما القت القنبلة الاولي علي هيروشيما والثانية بعدها بعدة أيام علي ناجازاكي مخلفة وراءها مئات القتلي والجرحي اضافة الي تدمير المدينتين.. ولعلنا لاننسي أيضا استخدام أمريكا لقنابل النابالم الحارقة خلال حربها ضد فيتنام. من كل ما سبق اود ان أؤكد ان الحديث في المجتمع الدولي الان عن حماية حقوق الانسان اصبح للاسف الشديد يستخدم غالبا لتحقيق اهداف سياسية واقتصادية بعيدا عن الاهداف الاخلاقية والانسانية. لاننا اصبحنا نعيش في عالم المصالح والصراعات فلقد انتهت إلي حد كبير عصر المدينة الفاضلة "اليوتوبيا" واصبح الحديث عن حقوق الانسان مجرد أداة "وغير مكلفة" تستخدمها دول بعينها لتحقيق مصالحها ومطامعها الشخصية.. تحت شعارات زائفة مثل الربيع العربي والشرق الأوسط الجديد. والشرق الاوسط الكبير. والفوضي الخلاقة.. كل هذه الشعارات وغيرها هي قول حق يراد به باطل يستهدف هدم منطقتنا العربية وتقسيمها ونشر الفوضي فيها واستنزاف مواردها وخيراتها. واذا كان اي انسان يساوره شك فيما اقول. أو عودة الي إلقاء نظرة سريعة علي ما آل اليه حال العراق وسوريا وليبيا واليمن.. علينا جميعا ان نفيق من هذا السبات العميق وان ندرك حجم التهديدات والمخاطر التي تحيط بنا من كل جانب حمي الله مصر من كل سوء.