بقدر ما تعطينا الحياة من سعادة وفرح فهي لاتبخل علينا أيضا بالحزن والألم الشديد وتظل تتأرجح حياتنا في هذه الدنيا الفانية بين هذا وذاك وحزن تارة وفرح تارة أخري. وتتدخل ارادة الله التي هي فوق كل ارادة فتأخذ منا أحبابا عاشوا معنا وفي وجداننا وأثروا حياتنا بل وكانوا اصحاب فضل كبير علينا.. "ولله ما أعطي ولله ما أخذ". وفي الوقت الذي كنت استعد فيه لشراء هدية لأمي العزيزة الغالية في عيد الأم وهو اليوم الذي نحتفل به كلنا بأمهاتنا ونسعي فيه الي رد جزء ولو يسير من جميل امهاتنا في أعناقنا. تموت أمي يوم عيد الأم.. كما مات أبي في نفس يوم عيدالام منذ اربع سنوات وكأن القدر قد كتب عليهما ان يلتقيا في الآخرة وعند الرفيق الاعلي في مناسبة جليلة في الارض لها كل الاحترام والتقدير في نفوسنا "عيد الام". كنت عائدا من انتخابات نقابة الصحفيين وكان اليوم في بدايته ومنتصفه جيدا للغاية التقيت خلاله زملاء المهنة والاصدقاء الذين لم ارهم منذ زمن طويل.. انها ذكريات طويلة عميقة ومتعبة في دهاليز مهنة الصحافة التي عشقتها منذ الصغر. دخلت غرفة امي اوقظها لكنها لم ترد وحاولت مرارا وتكرارا وناديت عليها بأعلي صوت وأكثر هزا وحركة ليدها علها تصحو.. ولكن هيهات فلم ترد ابدا ولم تتحرك ابدا ولم تستجب ابدا لنداءاتي المتكررة. وهرعت الي التليفون طالبا الاسعاف والتي جاءت بعد وقت قليل ليجري الطبيب فحوصاته عليها ويضع جهازا لرصد حركة النبض والقلب والعين ولكنها أتت بنتيجة واحدة "لقد ماتت" وليستدير الطبيب الي قائلا ومواسيا "البقاء لله". لم اصدق ولم اتحرك من مكاني لبعض الوقت شاردا تائها.. ومازالت لا اصدق..!! "ماتت التي كنا نكرمك من أجلها" هكذا يقول ملك من السماء لمن ماتت أمه.. ظلت هذه المقولة تلح علي خاطري ارددها بين الحين والآخر لنفسي حسرة وألما.. ولكن ماذا نقول؟! إنها ارادة الله ولا راد لقضائه وليتوانا الله سبحانه وتعالي برحمته جل شأنه. حقا اليتيم هو من فقد أمه وأباه.. ومهما كبر الانسان او صغر يظل يبحث عن حضن امه ورعاية ابيه.. ولم يقل عن هذا ابلغ بيان في ان الانسان سيظل طفلا طالما امه علي قيد الحياة وعندما تموت يصبح رجلا.. فقد ضاع الحنان والحب والاهتمام الذي كانت الأم توليه لابنها كبيرا او صغيرا. شريط من الذكريات والاحداث يجول بخاطري بيني وبين امي طوال مراحل حياتي فقد كانت دائما تفرح لفرحي وتحزن لحزني.. ظلت طوال عمرها وحتي قبل ان ترحل عن دنيانا تدعو لي دائما وكنت اطمئن كثيرا علي كل شيء طالما هي تدعو لي.. فقد كانت دعوات صادقة عميقة من القلب.. والحمد لله فقد استجاب الله سبحانه كثيرا كثيرا لدعوات امي ووفقني وحفظني كثيرا. لم تستمتع امي بحياتها ولم تر جوانب مبهجة كثيرا فقد ظلت هي كما هي لم تتغير مشغولة بنا طوال الوقت حتي بعد ان كبرنا واصبحت لنا حياتنا الخاصة.. ظلت مهمومة بالكبير والصغير تتألم لنا وتفرح لنا وتسعي جاهدة لاسعادنا. تظل الام هي صاحبة المكانة الاعلي في نفوس الابناء وهي الاقرب روحيا وعاطفيا من ابنائها وقد كرمها ديننا الحنيف ووضعها في منزلة عالية "الجنة تحت اقدام الامهات" وقال رسولنا الكريم امك ثم امك ثم امك ثم اباك. رحمة الله عليك ياأمي فقد كنت طاقة الضوء والامل والدعاء في حياتي وليجازيك الله خير الجزاء.. جزاء عادلاً لما قمت به وقدمتيه طوال حياتك لابنائك من خير وسعادة ستظلن يا أمي ذكري عطرة ووجوداً دائماً طوال العمر نذكرك بالخير وندعو لكي بالرحمة والمغفرة وان ينزلك الله تعالي في منزله عالية.. انه نعم المولي ونعم النصير.