ماذا حدث للمسلمين في التاريخ المعاصر؟!.. ولماذا وصلوا إلي هذه الحالة من التدهور والتخلف؟!.. لماذا يقتل المسلم أخاه المسلم بكل هذه الوحشية والقساوة؟!.. لماذا يخربون بيوتهم ومزارعهم بأيديهم؟!.. أسئلة أخري كثيرة يطرحها عقلاء الأمة وقلوبهم تنزف دماً حزناً علي ما يجري في ديار المسلمين من قتل وتخريب وتدمير.. وهو ما يسعد أعداء الأمة. فكم يسرهم أن يروا المسلمين يقتلون بعضهم بعضاً. وتذهب ريحهم. حتي تحين الفرصة لينقضوا علي ما تبقي منها ويسيطرون عليها وعلي كل مقدراتها. وفي ظل هذه الظروف الصعبة جداً التي تمر بها الأمة. يجب علي الكُتَّاب والمفكرين أن يذكروا المسلمين المعاصرين بماضيهم العريق. حيث كانوا القوة الأولي عالمياً في كل المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية والحربية.. ربما يفيقون ويدركون أن كل ذلك تحقق للمسلمين عندما كان المسلم "يحب لأخيه ما يحبه لنفسه". وعندما كان المسلمون "يؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة". وعندما التزموا بتعاليم دينهم الحنيف. وتمسكوا بوسطيته. ونبذوا كل أشكال التطرف والعنف.. وأيضاً لنذكر الآخرين بإسهامات المسلمين الملموسة في بناء الحضارة الإنسانية لعلهم يثوبون إلي رشدهم. ويدركون حجم الخسائر التي تكبدتها البشرية بسبب انحطاط المسلمين. ولعلهم يتوقفوا عن مخططاتهم السوداوية. لتأجيج الصراع بين الحضارات. ويعلموا أن الكون الذي خلقه الله يتسع لجميع خلقه من بشر وحجر وشجر. وقديماً قالوا: "الحق هو ما شهدت به الأعداء". ومن ثم سنورد بعض الشهادات المنصفة في حق المسلمين. والتي أوردها كتاب "الشرق الأوسط والعالم.. أفكار وكتابات" للباحث محمد الخولي من إصدارات سلسلة "كتاب الجمهورية". التي تشهد ثراء وتطوراً بقيادة رئيس تحريرها الجاد الزميل "سيد حسين".. ووصف المؤلف في مقدمة كتابه هذه الشهادات أنها "كتابات لفصيل مستنير من العلماء المنصفين المنتمين بحكم النشأة إلي حضارة الغرب وثقافته. والمنصفين بحكم موضوعية المنهج العلمي الأمين مع الحق والحقيقة. بعيداً عن شبهة التحيز أو آفة التعصب أو التحامل الجائر علي منجزات العرب وأمجاد المسلمين". والشهادة الأولي للباحث الأمريكي "جوناثان ليونز" الذي جمع بين مهنة الصحافة والبحث العلمي. وقضي نحو 20 عاماً يعمل مراسلاً صحفياً لوكالة أنباء رويترز في عدد من الدول الإسلامية. وتركزت اهتماماته البحثية علي إنجازات الحضارة العربية الإسلامية. وبعد حصوله علي رسالة الدكتوراة من جامعة ملبورن باستراليا في موضوع "سوسيولوجيا الأديان" أصدر عام 2009 كتاباً بعنوان "بيت الحكمة" حاز اهتماماً واسعاً في أوساط الأكاديميين الذين رأوا في بحوث الكتاب بكل ثرائها محاولة جادة وموضوعية لإعادة التذكير بالعصر الذي كانت أوروبا تنهل فيه من ينبوع العلم الإسلامي. ويدافع جوناثان عن الفتوحات الإسلامية ويري أنها بعيدة عن الغزو الذي يرادف العنف والتدمير. ولكنها فتح يرادف بناء الحضارة وتهيئة السبل أمام التجديد والكشف والازدهار.. ويدلل علي رؤيته بقوله: "جاءت فتوحات المسلمين وبناء الإمبراطورية "الخلافة" الإسلامية علي رقعة مترامية الأطراف. كي تربط بين المراكز التاريخية للحضارات العريقة التي سبقت علي مر الزمن. فهيأت فرص التفاعل والتمازج بينها. أدي إلي تطوير المسلمين إمكانيات جوهرية في المعرفة والفكر والإبداع والحضارة الإنسانية". واحتوي كتاب "بيت الحكمة" لقطة طريفة تكشف عن اهتمام أجدادنا بالكتب العلمية. فكتب فقرة تحت عنوان: "الكتاب من شروط السلام". يقول: إن العرب المسلمين وضعوا شرطاً جوهرياً ضمن بنود معاهدة صلح وسلام بين بغداد وبيزنطة وهو الحصول علي نسخة من كتاب مرجعي كان له تقدير خاص في عالم ذلك الزمان. وهو كتاب العالم السكندري العظيم "بطليموس" في علم الفلك. وأورد أيضاً شهادة أدلي بها في وقتها واحد من أكبر مترجمي وعلماء القرن التاسع الميلادي قال فيها: "إن بُناة الحضارة الإسلامية يبذلون جهوداً حثيثة ولا يدخرون أي مرتخص أو غال من أجل اقتناء كتاب مرجعي مفيد في علوم الطب أو الفلك أو الكيمياء أو غير ذلك من ميادين البحث والمعرفة". والشهادة الثانية للدبلوماسي الأمريكي مايكل هاملتون مورجان. وسجلها في كتابه القيم بعنوان "تاريخ ضائع". وصدر قبل حوالي 5 سنوات. وهي شهادة إنصاف علمي للمسلمين وللغة العربية وجاء فيه: "الإنجازات العلمية صدرت عن روح الإسلام ودعوته إلي التعلم والتفكير والتغيير لما فيه مصلحة الخلق وعمران الأكوان. ومن ثم اتخذت هذه المنجزات لغة العرب الشريفة لساناً لها وتعبيراً عن نهجها. وتجسيداً حياً لما أسدته الحضارة إلي الإنسانية من أيادي بيضاء في ميادين شتي. ما بين الطب إلي الكيمياء. وما بين الكشف الجغرافي إلي علوم المنطق والفلسفة. وعلم التاريخ". وشهادة ثالثة للمفكر البريطاني فرد هاليداي. وجاءت في كتاب "100 خرافة عن الشرق الأوسط". ويقدم صورة موضوعية عن حقيقة المنطقة بعيدة عن النظرة المغرضة. التي روجها الاستعمار الغربي. وعمدت الآلة الإعلامية الصهيونية علي تضخيمه وفي مقدمتها أكذوبة ربط العرب والمسلمين بالعنف والتطرف والإرهاب. لا أهداف من وراء ذلك. مجرد التباكي علي ماض عظيم أضعناه. بل كي نعيد دراسته لنتخذه نبراساً للخروج من أزماتنا الراهنة.