حين انشأ الزعيم جمال عبدالناصر المراكز البحثية في مصر في الستينيات بعد ثورة يوليو 1952 كان هناك بعد نظر للنهوض بمصر علمياً ومواكبة التطور العلمي العالمي ولا أكون مبالغاً حين أقول ان محطة بحثية زراعية في سدس بجمهورية مصر الوليدة كانت تضاهي في عالميتها علي الخريطة العالمية للبحث العلمي محطة ريفر سايد في أمريكا وذلك اكاديمياً وتطبيقياً بأداء بحثي رائع وتطبيقي علي أرض الواقع وتخريج كوادر بحثية أثبتت عالميتها بأبحاثها ومشاركاتها. تتالت الحكومات والزعامات ودخلت مصر حروباً ضد ما يدبره الغرب لها من مؤامرات حتي لا تنهض هذه الدولة التي أثبتت طموحاتها في كل مجال.. وأصبحت ميزانية الدولة عبئاً سنوياً لتدبير أعباء الحروب لأجل القضية الفلسطينية وبدأت ميزانية واهتمام الحكومات للمراكز البحثية تتدني وتحولت النظرة لقيادات هذه المراكز ان تتحول لوحدات ذات طابع خاص كل في تخصصه لتدبير ميزانيات متواضعة لتسيير بقائها وأصبحت مراكز تجارية لا بحثية وانهمك الباحثون الجدد إلي تدبير أبحاث ترقياتهم حسب اللوائح الداخلية من جيوبهم الخاصة مع تدني رواتبهم عن باقي الوظائف العادية في الدولة فكانت العلاوة الدورية السنوية للخريج في وظيفة مدنية أربعة جنيهات وزميله المتفوق والمعين علي كادر جامعي خاص جنيهان مما حدا بالكثير منهم بطلب النقل لوظيفة علي الكادر العام.. وحين يصل من بقي في عمله لأعلي درجة علمية كأستاذ يجد مرتبه لا يفي بمتطلبات نشر بحوثه وإعالة أسرته فتولد شعور نفسي بالمهانة. وجاءت المرحلة التي كانت الضربة القاضية لهذه المراكز بتمويل أمريكا وأوروبا لمشروعات بحثية ظاهرها النفع والرحمة وباطنها العذاب.. حيث يرصد للمشروع الفلاني ملايين الجنيهات يأتي معظمها بمعدات وأجهزة ينقص فيها أهم جزء لتعمل.. بل ويحدد لنا علي أي محصول أو مشكلة يتم المشروع بما لا ينافس أي شيء لدي الدولة المانحة يعني مشروع للجرجير لكن لمحصول كالموالح لا وهو المحصول الرئيسي لمصر حتي لا ينافس موالح ولاية فلوريدا؟؟!! ليس هذا فحسب بل ويهيمن علي هذه المشروعات وتوزع علي أصحاب الحظوة والمكانة ليس بعلمهم ومكانتهم العلمية لكن بقدرته علي النفاق والتزلف للمسئولين من قمة السلم الوظيفي وكانت الجهة المانحة لا تعطي الأموال إلا بتحديد برامج تافهة لا تنهض بمشكلة للحل ولا تأتي بأكثر من نشر الأحقاد بين الباحثين بعضهم البعض.. وكانت المبالغ تستنفذ في دائرة من الفساد وتلفيق المصروفات علي الورق لا أكثر.. وانهارت المنظومة البحثية. في الدولة المحتلة المجاورة لنا إسرائيل كانت ميزانية البحث العلمي 6% من جملة موازنتها وخرجت تطبيقات بحوثهم تغزو العالم وتثبت لهم تفوقاً واسماً واحتراماً هناك!! في مصر وفي كل الأحوال لم تتخط ميزانية البحث العلمي 0.5% وهي بالكاد لا تغطي إلا الرواتب؟! ولا تعليق.. لكن في الاحتفالات والروايات والمؤتمر لا بأس ان يعلن المسئولون النهوض بالبحث العلمي كيافطة للوجاهة ولكن أي نهوض حدث؟؟ وأي فاعلية غيرت الواقع؟؟ لا شيء. لكن البحث العلمي لا يقل أهمية عن انشاء قناة السويس الثانية في عمل مؤتمر علمي موسع للباحثين جميعاً وليس لفئة مختارة تتلخص في 5 أو 10 من اناس لم نسمع منهم ماذا قالوا للنهوض بالبحث العلمي حتي الآن وهل حصول كل منهم علي 2000 جنيه بدل ألف لبحوثهم الشخصية هو الحل لأزمة البحث العلمي؟؟؟ لقد شرحت الأزمة منذ بدايات نجاحها ومروراً صادقاً بمراحل انحدارها ودخولا للمكتوم بالصدور من الكلام عن عناصر فشل أخطر منظومة لحل مشكلات مصر بالعلم والتطبيق وليس بالإعلانات والمانشيتات.. ان مصر الجديدة القادمة في حاجة لإخراج ما بداخل الصدور وذلك لنجاح الإصلاح. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد