كعادة اثيوبيا وقبل أي جولة مفاوضات مع مصر والسودان والمقرر له الأسبوع القادم تصدر تصريحا لتصعيد الأمور وبلا داع لتبث اليأس في نفوس المفاوض المصري بالإدعاء هذه المرة بأنها انتهت من بناء 42% من سد النهضة وتطالب بأن يستمر عمل المكتب الإستشاري لثمانية عشر شهراً حتي تكون قد انتهت من بناء سدها!. ويخرج علينا وزير الري المصري بتصريح بأن وزير الزراعة يسبب له الحرج في مفاوضاته مع الإثيوبيين بشأن سياسات مصر بفتح تصدير الأرز!. ولأنه من المفترض للوزير أن تكون خلفيته العلمية قوية وأن يكون جاهزاً دوماً للرد علي المحاولات الاستفزازية الدائمة للمفاوض الاثيوبي الذي يحاول أن يضع المفاوض المصري في موقف الدفاع ليبعده عن الانتباه للمحاولات الاثيوبية للاستحواذ علي مياه النيل. فسنوضح خطأ الجانب الاثيوبي وزعل الوزير المصري غير المبرر. فالأمر ببساطة ان أراضي الدلتا البالغ مساحتها نحو 5.4 مليون فدان يقع نصفها قريب من البحر المتوسط والمعرض طبقاً لتغير المناخ بارتفاع مستوي مياهه بين نصف متر إلي مترين ويؤدي حاليا إلي اقتحام مياه البحر المتوسط لمساحات قد تؤثر علي ثلث مساحة الدلتا. الوضع الحالي هو ان مياه البحر المالحة تأكل الدلتا من أعلاها في التربة الزراعية ومن أسفلها في المياه الجوفية ولا توجد وسيلة للحفاظ عليها من البوار إلا بزراعة الأرز كمحصول متحمل للملوحة وهو البديل الوحيد للفيضان حاليا. بل الوحيد القادر علي حماية أراضي الدلتا من البوار والتملح. ثانياً: اننا نروي الأرز بشكل رئيسي بمياه المصارف الزراعية ونعيد استخدام أكثر من 10 مليارات متر مكعب في السنة بينما ينعم الإثيوبيون بالمياه العذبة أمطاراً وأنهاراً وبحيرات عذبة وروافد بالعشرات ولا يعيدون استخدام أي نوع من مياه الصرف وهو الأمر الذي يقتل المصريين بسبب نقص المياه بينما يتربع الاثيوبيون علي عرش دول القارة المصدرة للأغذية والمنتجات الزراعية العضوية الخالية من التلوث والكيماويات. وأن ما تصدره اثيوبيا من هذه المنتجات يماثل أضعافاً مضاعفة لإنتاج مصر من الأرز والذي نفرض عليه حظراً للتصدير منذ خمس سنوات ولم نفتح باب تصديره إلا هذا الشهر ولكميات تقل عن ثلاثمائة ألف طن حتي الآن وعلي اثيوبيا أن تراجع صادراتها من البن العضوي وباقي المنتجات الزراعية مقابل مصر التي أصبحت أكبر مستورد للغذاء في القارة الأفريقية. ثالثاً: ان زراعة الأرز وتصديره بعد غسيله لأملاح الدلتا القادمة مع مياه البحر المتوسط يعتبر تصدير للأملاح وليس تصديراً للمياه. بينما ما تصدرونه أنتم من مواشي هو ما يعتبر فعلياً تصديرا للمياه فالبقرة الواحدة تستهلك 5000 متر مكعب من المياه لتربيتها ولديكم 100 مليون رأس أبقار وأغنام بينما لدينا في مصر 8 ملايين فقط. وان مواشي اثيوبيا تستهلك مياهاً أكثر مما يستهلك الشعب المصري كله. ثم هل تصدير البن أو الشاي أو الكاكاو أو حتي الفاصوليا والطماطم لا يعتبر تصديرا للمياه؟!. رابعاً: ان اثيوبيا التي ترفع مبدأ هارمون للسيادة المطلقة علي الموارد والذي كان صالحاً للقرن التاسع عشر فقط حيث الهمجية والعدوانية وغياب القانون والإنسانية وهو المبدأ الذي رفضه العالم المتحضر. نجد ان هذه الدولة تريد أن تتدخل في شئون مصر وتحاسبها علي تصرفاتها في حصتها المائية وكأنها صاحبة المياه! وكأنها هي التي تستمطرها من السحاب أو كأنها صاحبة الخلق وتتحكم فيما حولها من دول. فالأولي بدولة السيادة المطلقة حتي علي الموارد المشتركة ألا تدخل مطلقاً في سيادة دولة المصب علي تصرفاتها المائية. فلا نحن نشرد السكان الأصليين ولا نفضل تصدير الكهرباء عن توفيرها لشعبنا ولا نحن نسأل إثيوبيا عن حجم صادراتها العضوية والحيوية ولا عرضها لبيع المياه لإحدي دول الخليج والتي نظن انها لن تطعن مصر من الخلف أبداً. وفي نفس التوقيت يخرج علينا مستشار وزير الري لشئون المياه الجوفية لتكرار الهجوم علي سلوك المصريين والإدعاء بأن دول منابع النيل تهاجم مصر بسبب تلويثها لمياه النهر وهو غير صحيح بالمرة وقد لا يعلم ان حجم التلوث في بحيرة فيكتوريا منبع النيل الأبيض قد وصل إلي مراحل الخطر بسبب صرف الدول الثلاث المطلة عليها أوغندا وكينيا وتنزانيا لصرفها الصحي والصناعي والزراعي علي البحيرة حتي أعلنت منظمات حماية البيئة العالمية طلب انقاذ البحيرة من التلوث الرهيب. بالإضافة إلي سابق إلقاء بوروندي ورواندا لجثث ضحايا الحرب الأهلية في الأنهار التي تغذي البحيرة نفسها ثم وصول التلوث إلي بحيرة ألبرت المنبع الأخير للنيل الأبيض سواء من أنواع التلوث السابقة أو من الاكتشافات البترولية الحالية في قاع البحيرة والتي تتصارع عليها أوغندا والكونغو وستكون سبباً كبيراً في تلوث مياه البحيرة. تلوث المياه الداخلية أمر يخص مصر وحدها بينما تلوث المياه الدولية والعابرة للحدود هو الخطر الأكبر ومصر تتخذ خطوات جادة لمعالجة مياه جميع المخلفات والمصارف الزراعية والصناعية والصرف الصحي بتكلفة قد تصل إلي 7 مليارات دولار لتحسين مواصفات نحو 15 مليار متر مكعب من مياه هذه المخلفات.