عرفنا من الحصانات الإسلامية للمسنين تدوير الولاية بين الأقارب. ومن مظاهر هذا التدوير أن أقارب الجاني في جنايات الخطأ يتحملون عنه الدية. ونريد التعرفُّ علي المظهر الثاني لهذا التدوير. وهو تحمل النفقة المعيشية للأقارب. فما هي النفقة. وما المقصود بالقرابة وما أسبابها الشرعية؟ إن النفقة في اللغة مشتقة من النفوق الذي هو الهلاك يقال: نفقت الدابة إذا ماتت وهلكت. ومنه النفقة علي المعايش» لأن فيها هلاك المال. وهي اسم بمعني الإنفاق. وفي اصطلاح الفقهاء تطلق النفقة علي الطعام والكسوة والسكني. التي يتحملها الإنسان علي من يليه من أهله وولده. والقريب ضد البعيد. يقال: قربت منه. أي دنوت منه وباشرته. فهو فعل لازم. ويتعدي إلي المفعول بالتضعيف. فقال: قربته ويستعمل في الأمان فيقال: قرب الأجل. كما يستعمل في المكان فيقال: قربت البلاد. كما يستعمل في النسبة فيقال: قرب نجاح فلان. كما يستعمل في الحظوة فيقال: قرب الفوز. وقيل: القرب في المكان. والقربة في المنزلة. والقرابة في الرحم. والقرابة في اصطلاح الفقهاء لا تخرج عن أسبابها الأربعة. وهي: النسب والزوجية والولاء والرضاعة. ولكل سبب من هذه الأسباب حكمه. وعند الإطلاق يكون المراد قرابة الدم التي هي النسب. 1 ما السبب الأول للقرابة فهو النسب.. وليس المقصود بالنسب أهل الزوجة. كما يقول العامة. وإنما المقصود بالنسب قرابة الدم. أي من تنتسبب إليهم وينتسبون إليك من جهتي الأب والأم.. والنسب من جهة الأب يسمي عصب أو عصبات. والنسب من جهة الأم يسمي رحم أو أرحام. وقرابة النسب متدرجة علي أربع جهات الأبوة. والبنوة. والأخوة. والعمومة أو الخئولة. ولا خلاف بين الفقهاء علي أن العمومة هي الدرجة الا فيمن يحتل الدرجتين الأولي والثانية. فبعضهم يقدم جهة الأبوة شرفها. وبعضهم يقدم جهة البنوة لاستحالة حجبها في الميراث بالأبوة. بخلاف العكس. فإن الابن يحجب الأب من التعصيب. ويقف نصيبه في فرض السدس. وأقول أنواع القرابة هي قرابة النسب لارتباطها بالدم الذي لا يمكن الفكاك عنه. ولذلك جعل الله عز وجل التحريم من هتها في سبعة أنواع. قال تعالي: "حُرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت" النساء: 23 والمقصود بالأمهات: الأم. وأم الأم. أو أم الأب. وإن علت. والمقصود بالبنات: البنت. وبنت الابن. أو بنت البنت. وإن نزلت والمقصود بالأخوات: الأخت الشقيقة. أو الأخت لأب. أو الأخت لأم. والمقصود بالعمات: أخت الأب. أو أخت أب الأب. وإن بعدت. والمقصود بالخالات: أخت الأم. أو أخت أم الأم. وإن بعدت والمقصود ببنات الأخ: بنت الأخ الشقيق. أو بنت الأخ لأب. أو بنت الأخ لأم. أو بناتها. وأن نزلت. والمقصود ببنات الأخت: بنت الأخت الشقيقة. أو بنت الأخت لأب. أو بنت الأخت لأم. أو بناتها. وإن نزلت. 2 وأما السبب الثاني للقرابة فهو الزوجية أو المصاهرة. فعلاقة كل من الزوجين بالآخر تتصف بقرابة خاصة تسمي بقرابة الزوجية. وقد تكون الزوجة ابنة عم أو ابنة خال. فتحظي بدرجتين للقرابة. هما: درجة النسب باعتبارها ابنة عم. ودرجة الزوجية بصفتها زوجة.. وأما أقارب الزوجة كأبيها وأخيها بالنسبة للزوج. وأقارب الزوج كأبيه وأخيه بالنسبة للزوجة فيطلق عليها قرابة المصاهرة. وقد ذكر الله تعالي من المحرمات بالمصاهرة أربعة أنواع. واحدة في آية مستقلة وهي زوجة الأب. وثلاث في آية المحرمات وهن أم الزوجة والربيبة وزوجة الابن. فقال سبحانه: "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً" النساء: 22 ثم قال في آية المحرمات: "وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم" النساء: .23 3 وأما السبب الثالث للقرابة فهو قرابة الولاء. وهو نوعان: ولاء مناصرة. مثل الولاء بين الأصدقاء والأحبة من الزملاء في العمل. وهذا النوع من الولاء اعتبره أبو حنيفة سبباً للإرث في حال انعدام قرابة النسب والزوجية. والولاء الثاني هو ولاء العتاقة وهو الشرف الذي يحظي به السيد إذا أعتق عبده. حيث تلزم الشريعة الإسلامية العبد الذي صار حراً بالاعتراف بالفضل لمن تسبب في حريته فيما يسمي ولاء العتاقة وله منزلة قرابة النسب. فقد أخرج ابن حبان والحاكم وصححه. عن ابن عمر. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "الولاء لُحمة كلُحمة النسب لا يباع ولا يوهب".