عنوان هذا المقال ليس جديدا وليس طارئا انه عنوان لمقال نشر قبل سنوات وتحديدا في 12 أغسطس 2008 في مجلة "الموقف العربي" ومنذ هذا التاريخ كتبت عددا من المرات أحذر من اعطاء أولوية لمشروع ممر التنمية قبل البدء والتنفيذ الفعلي لتنمية وتعمير سيناء خاصة ان المشروعات بشأنها تم اعدادها. كما ان الأخطار تهب عليها من أكثر من جهة. في العام نفسه 2008 وفي 21 ديسمبر كتبت في "العربي" لسان الحزب الناصري عن "اجتهادات بديلة حول المشروعات الكبري" في ذلك الوقت كنت مبعدا عن الكتابة في "الجمهورية" ومنذ عدت كان هذا واحدا من الموضوعات الرئيسية التي تناولتها وركزت عليها. ما من مرة كتبت فيها هنا عن سيناء إلا ونبهت إلي أن تعميرها له أولوية علي مشروعات أخري مطروحة منها ممر التنمية الذي كان طرح فكرته الاستاذ الدكتور فاروق الباز منذ 2005 وأصدره في كتاب وان كان قد ذكر ان فكرة المشروع ترجع إلي سنوات قبل هذا وأشار إلي لقاء مع الرئيس أنور السادات في 1974 وآثار المشروع حوار الا ممتداً يزال قد وان كان يهدأ أحيانا ثم يستيقظ مرة أخري ويثور الجدل والخلاف حوله من جديد وكأنه يطرح لأول مرة. مشروع تطبيقه مستحيل وفي كل مرة كانت فكرة المشروع تحظي بفريق من المؤيدين كما يلقي معارضة فريق من الناقدين الرافضين للمشروع بقوة إلي درجة ان أحد العلماء الكبار المتخصصين في شئون الحياة أكد بل قطع بأن مشروع ممر التنمية من المستحيل أن يطبق وخلال الفترة من 2005 إلي اليوم ما من رئيس للوزراء إلا واستقبل الدكتور فاروق الباز وبحث المشروع معه ابتداء من الدكتور أحمد نظيف ووصولا إلي المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء الحالي وحين سمعت صباح يوم الأحد الماضي انه سيستقبل الدكتور الباز قلت في نفسي تاني رجعت حليمة إلي عادتها القديمة! أوجست خيفة حين سمعت النبأ خاصة ان المهندس محلب في مهمة شبه مؤقتة ولم يمض عليه وقت طويل في موقع رئاسة الحكومة وغالبا لم يتوفر لديه وقت لمراجعة ملف هذا المشروع وهو ملف متخم وثقيل خشيت أن يخرج اللقاء ب "كلمتين فض مجالس" أو أن يقع المهندس محلب في مطبات وقع فيها بعض أسلافه خاصة بعد ثورة 25 يناير ولكن رئيس الوزراء كان عند حسن الظن به لم يتسرع بموافقة ولم يتبرع بتصريح يمكن أن يحسب عليه غدا بل اتخذ الموقف الذي اتخذه بعض رؤساء الوزراء السابقين بمن فيهم والشهادة لله الدكتور أحمد نظيف الذي قام بتشكيل لجنة برئاسة الدكتور عثمان محمد عثمان حينما كان فيما أظن وزيرا للتخطيط وأمامي تصريح مهم للدكتور عثمان بعد أحد اجتماعات هذه اللجنة ولعله التصريح الذي جعل الدكتور الباز يتهم احدي حكوماته بتعطيل المشروع ولم أعد أذكر هل كان يعني حكومة نظيف أم إحدي حكومات ما بعد ثورة 25 يناير ويمكن القول بصفة عامة ان الجماعة العلمية المصرية بتخصصاتها المختلفة التي تتعلق بمشروع الدكتور الباز لم ترحب به أغلبيتها علي الأقل. مليون فدان و20 مليون مواطن الاعتذار واجب هنا عن التأخر في اعطاء فكرة مركزة ومبسطة عن مشروع ممر التنمية الذي يقوم علي انشاء ممر أو طريق يربط شمال مصر بجنوبها فوق الهضبة الغربية وبعيدا عن المجري الحالي للنيل بما يتراوح بين ثمانية عشر كيلو مترات أو أكثر كي يبتعد عن بحيرة قارون ويتم ربط هذا الممر بوادي النيل بمحاور عرضية تربطه بالمدن الكبيرة أساسا في الدلتا والوادي يؤدي المشروع إلي استزراع مليون فدان اعتمادا علي المياه الجوفية ويستوعب حوالي عشرين مليون مواطن يبعدهم عن الوادي الضيق الذي يكاد لا يتجاوز 5% من مساحة مصر. كما يتضمن المشروع أنشطة أخري بخلاف الزراعة. اذ يحتوي علي مشروعات سياحية وصناعية وقد تعددت التقديرات حول تكاليف المشروع من ناحية وحول العائد الحقيقي منه من ناحية أخري وان كان الدكتور الباز قد وقف بالتكلفة الأساسية عند رقم 24 مليار دولار "حوالي 148 مليار جنيه" ولكن الاعتراض الأساسي الذي واجه المشروع تركز حول مدي توفر المياه الجوفية التي قال الدكتور الباز حسب تقديرات الخبراء المعارضين في تقديرها وأذكر من هؤلاء العلماء بشكل خاص العلامة الدكتور رشدي سعيد رحمه الله والاستاذ الدكتور مغاوري شحاتة دياب وهو واحد من أكبر خبرائنا في المياه وهو رئيس جامعة المنوفية الأسبق "الحديث هنا عن العلم والوطن وليس عن السياسة وانتماءاتها" إلي جانب كوكبة أخري من العلماء الذين اتفقوا بل أجمعوا علي انه حتي لو كان مشروع ممر التنمية قابلا للتنفيذ وان تكلفته مناسبة وعائده كبير إلا ان هناك مشروعات أخري أهم وأكثر إلحاحا فضلا عن انها أقل تكلفة وأكبر عائدا وعلي رأسها مشروع تعمير سيناء وهو مشروع تفرضه ضرورات السياسة والعسكرية والأمن القومي. ولعل هذه النقطة بالذات هي مدخلي ومدخل أمثالي من غير المتخصصين لا في الجيولوجيا ولا في المياه ولكنهم مهمومون بمشروع تنمية شاملة من ناحية ومهمومون أولا وقبل كل شيء بالأمن القومي ويؤمنون بأن سيناء هي بوابة مصر الشرقية التي يجب أن تزرع بالبشر والشجر لتكون خط دفاع عن مصر الدلتا والوادي ونقطة هجوم ووثوب كذلك. بعد أبوطرطور وتوشكي يرجع اهتمام المرء بمتابعة مشروع ممر التنمية منذ تم طرحه علي الرأي العام ليس إلي اهتمامي بسيناء فقط ومشروعاتنا الكبري الأخري التي يجب أن تكون لها أسبقية علي هذا الممر "مثل اقامة المفاعل النووي واستغلال الطاقة الشمسية وتوفير احتياجاتنا من المياه وغير ذلك من المشروعات" بل وإلي أن تابعت عن قرب مشروعين كبيرين آخرين أخشي أن يلقي ممر التنمية المصير الذي لقياه وأعني بذلك مشروع فوسفات أبو طرطور ومشروع توشكي استنزف كل منها مليارات الجنيهات ولم نحصل من ورائه علي عائد كبير وفي مناقشة ومتابعة هذين المشروعين اتيح لي أن أتابع وأقرأ وأراجع كتابات عدد من العلماء الأجلاء المتخصصين في هذين وعلي رأسهم العلامة رشدي سعيد رحمه الله والأستاذ الدكتور محمد رضا محرم استاذ الجيولوجيا في هندسة الأزهر الذي خاض معركة شريفة ونزيهة ضد كل من اشترك بسهم أو آخر في تبديد المليارات في مشروع أبو طرطور وكم أتمني أن يكتب تجربته كاملة أو حتي يجمع مقالاته التي نشرها في الصحف والمجلات المختلفة في تسعينيات القرن الماضي ولعل هذا ينتزعه من عزلته التي فرضها منذ سنوات غير قليلة علي نفسه. أما كارثة توشكي فحدث عنها ولا حرج وأرجو أن يخرج علي الرأي العام أحد المسئولين الكبار الشجعان ويعلن عما تم انفاقه هدرا في هذا المشروع وما مساحة الأرض التي تم استزراعها وهل هي 25 ألف فدان أو 100 ألف فدان أو 160 ألف فدان!! محلب: خطة تنموية شاملة لذلك ولغيره من الأسباب فقد أسعدني إلي أبعد الحدود التصريح الذي أدلي به المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء بعد اجتماعه مع الأستاذ الدكتور فاروق الباز الذي لا يزال يتقد حماساً لمشروعه الذي يظن انه سينقذ مستقبل مصر ويضرب عرض الحائط باعتراضات وتحفظات كثير من العلماء المتخصصين بالذات في مجال المياه ويكاد لا يقيم لها وزناً طبقاً لما أوردته صحف يوم الاثنين الماضي يبدو ان لقاء محلب والباز لم يتطرق "علي الأقل بشكل مباشر" إلي مشروع ممر التنمية بدليل ان تصريح رئيس الوزراء وضع هذا المشروع في اطار أعم وأهم لم يتناوله تحديدا بل طالب بضرورة تشكيل مجموعة من علماء مصر في الخارج للمشاركة في بلورة برنامج لخطة تنموية شاملة تهدف لتنمية جميع قطاعات الدولة بشكل متدرج علي المستوي العاجل وبعيد المدي وهذا كلام علمي وموضوعي وقد كتبه العشرات من علمائنا منذ 2005 إلي اليوم وفي هذا رد اعتبار لهم واعتراف بمكانتهم العلمية. أما الحديث عن علماء مصر في الخارج فأهلاً بهم ومرحبا فهم مصريون وبلدهم في احتياج إليهم علي ألا يكونوا مجموعة منفصلة أو منغلقة علي ذاتها. بل يجب علي الجماعة العلمية المصرية في جميع التخصصات. بما فيها العلوم الاجتماعية أن تتفق علي اطار عام يجمعها ويوحد جهدها وينسق فيما بينها وليت هذا العمل يتم بسرعة وليت وزارة التعليم العالي أو أية جهة أخري تكون لديها ملفات علمية وليست ملفات أخري لجميع العلماء المصريين في جميع أنحاء العالم ولعلي أشير هنا إلي الجهد الكبير الذي بذله عدد من أساتذة الجامعات من أجل تكوين تجمع للأكاديميين المصريين وليت الاستاذ الدكتور عبدالله سرور يستأنف نشاطه في هذا الميدان ليكون التجمع شاملا للعلماء الباحثين المصريين في الداخل والخارج. ان حدث هذا ومن اليسير أن يحدث فإنه سيضع لنا في فترة قصيرة أولويات للمشروعات التي يجب أن نبدأ بها في جميع المجالات.. وان المشروعات تكون لها الأولوية ولماذا؟ وما هو المشروع العلمي التنموي الذي يمكن أن يكون مشروعا وطنيا بحق ويكون قاطرة تسحب معها وخلفها المشروعات الأخري واسلمي يا مصر.