قال بعض المفسرين - ومنهم الفخر الرازي - ان قوله تعالي: "ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل انه كان منصوراً" "الإسراء: 33" جاء بياناً للحق الوارد في قوله سبحانه: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" "الإسراء: 33" ومن ثم فلا يجوز قتل أي إنسان مطلقاً إلا في صورة القصاص - يعني من قتل ظلماً - وفي حكمه قتل من يشارك بالفعل مع صفوف الاعداء المحاربين. وذهب أكثر المفسرين من أهل العلم إلي أن الحق المرخص في القتل أعم من ذلك. فيشمل من شق عصا الجماعة وفرق كلمتهم وأخل بعقيدتهم وثوابتهم. وفقاً لنظام تشريعي منضبط يعرف في الدراسات الجنائية والأمنية. ومع اختلاف المفسرين في تحديد المقصود بالحق المرخص في القتل - علي هذا النحو - إلا أنهم متفقون علي ان ممارسته تحتاج إلي رؤية واجتهاد واحتياط. لأنه إذا وقع القتل فلا مجال للتدارك أو الندم. لفوات النفس. والنفس الفائتة لا تعود. ويختلف هذا الاجتهاد باختلاف الجهة أو السلطة المخول لها حق القتل. ومن واقع دراستي لأبواب الفقه الجنائي أري ان الشريعة الإسلامية قد منحت حق القتل لثلاث جهات - علي سبيل الحصر - وألزمت كل جهة بضوابط خاصة. صوناً للدماء. وتتحمل كل جهة مسئوليتها عن فعل القتل أمام الله سبحانه. الجهة الأولي: السلطة القضائية. وهذه الجهة تلتزم بالنصوص الشرعية التي تأذن بحكم القتل. وتضمن للمتهم حق الدفاع عن نفسه في الجرائم التي تستوجب القتل. فلا يجوز للقاضي ان يحكم بالقتل إلا إذا وجد نصاً شرعياً صحيحاً ظاهراً يأمره أو يأذن له في الحكم بالقتل. كقوله تعالي: "ولكم في القصاص حياة" "البقرة: 179". وعلي القاضي ان يمكن المحكوم عليه من الدفاع عن نفسه ولو بالشبهة. فإذا حكم القاضي بالإعدام دون نص يجيز له ذلك. أو دون ان يتمكن المحكوم عليه من الدفاع عن نفسه كان القاضي قاتلاً ظالماً في النظر الشرعي. الجهة الثانية: السلطة السياسية. وهذه الجهة هي التي ترعي الأمن العام. عندما تفقد الأمل في استقامة الخطرين علي الكليات الخمس المعروفة - وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال - وقد جعل الفقهاء المسلمون هذا الحق في يد السلطان أو الخليفة الذي كان يجمع السلطات في يده. وهو رئيس الدولة في هذا العصر. وفقاً للاجراءات الدستورية حتي يضمن سلامة الحكم. وعدم التوسع في ممارسته. صوناً لدماء الناس. ويتحمل الحاكم مسئوليته في ذلك أمام الله سبحانه. ومن أمثلة هذا النوع في الفقه الإسلامي. "1" ما ذهب إليه الحنفية والشيعة الإمامية في حال اعتياد القتل لكل معصوم. ولوان غير مسلم. فلو ان ولي الدم عفا عن القاتل. وكان قد سبق لهذا القاتل ان ارتكب جناية القتل. وعفا عنه أولياء القتل فإن للإمام ان لا يقبل هذا العفو الثاني. ويأمر بالقصاص منه سياسة. استدلالاً بما أخرجه الشيخان من حديث أنس بن مالك. في قصة اليهودي الذي اقتاد منه النبي - صلي الله عليه وسلم - لعادته في قتل الصبيان. "2" ما ذهب إليه المالكية في حال قتل الغيلة - وهو الخداع. كما لو استدرج القاتل - ضحيته بدعوي الضيافة ثم غدر به فقتله - قالوا لا يجوز العفو عن هذا القاتل. لأنه قتل علي وجه المخادعة والحيلة. وقيل: ان القتل الغيلة هو القتل لأجل أخذ المال. فإن عفا أولياء المقتول فإن للإمان ان لا يقبل هذا العفو. ويأمر بقتل القاتل سياسة. لقول عمر - رضي الله عنه - في الذي قتل غيلة: "لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعاً". ولأن القتل غيلة من باب الحرابة والإفساد في الأرض. فيكون قتله حداً من حدود الله. ولا عفو في الحدود. الجهة الثالثة: السلطة الفردية. وتنحصر هذه السلطة في حق الدفاع الشرعي عن النفس والعرض والمال. عند الاعتداء عليه. وتفصيلها يعرف في باب الصيال. وهو العدوان. لما أخرجه الترمذي وصححه. من حديث سعيد بن زيد ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد. ومن قتل دون نفسه فهو شهيد. ومن قتل دون عرضه فهو شهيد". وأخرجه البخاري عن عبدالله بن عمر بن العاص. بلفظ: "من قتل دون ماله فهو شهيد". واشترط الفقهاء لمشروعية قتل الصائل ان يكون في ساعة الاعتداء وليس بعده. لأن دفعه كان علي سبيل الرخصة والاستثناء من أجل درء العدوان. فإذا هرب الصائل لا يجوز ملاحقته بالقتل. بل يتوجه المعتدي عليه إلي القضاء. كما يشترط لمشروعية قتل الصائل المعتدي ان لا تجدي معه أية وسيلة أخري لدفعه كالضرب أو الهرب. قال الإمام النووي وغيره من أهل العلم: "يجب ان يكون الدفع بالأهون فالأشد. لأن المقصود هو الدفاع عن النفس والحق ساعة العدوان". وأما ملاحقة الأشرار - فهي مسئولية الحاكم. ويعينه عليه الأفراد بالإبلاغ والإمساك بالمجرمين وتسليمهم للحاكم. وليس بإنزال العقاب بهم. لأن الحكم بالعقاب يحتاج إلي اجتهاد ورؤية واحتياط وليس هذا للعامة.